آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

ورحلت فاطمة

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

قبل يومين وتحديدا يوم الأحد الماضي الساعة 12:36 صباحا وصلتني رسالة إلى تلفوني تقول: انتقلت إلى رحمة الله خالتك فاطمة «أم هاشم» الله يغفر لها ويرحمها. أول ما خطر على بالي حينها شقيقها الذي انتقل إلى رحمة الله قبلها بأربعة أشهر. غريب جدا هو شعور الموت خاصة عندما يحدث لعزيز عليك، نحن البشر غريبون في خداعنا لذواتنا من حيث قدرة «الأنا» السفلى على تصوير الحماية الوهمية من الموت، نقرأ عن الوفيات في كل مكان وكأنه لا يحدث لنا، هي دوما تحدث للآخر، توجهك نفسك بأن الفقد دوما يلحق بالآخرين فلا تستوعب أننا جميعا من ذات العجينة القابلة للفقد، وأننا قريبون جدا من أن نكون هؤلاء «الآخرين» الذين يصعب علينا أن نتخيل أنفسنا منهم يوما ما.

وعلى الرغم من أن تاريخ البشرية مليء بحكايات الموت، إلا أن أحدا منا لا يستطيع تخيل فنائه، هذا ولا يمكنه تصور وقوعه فيه، نتعاطى في الحياة وكأن لدينا حصانة ضد الموت رغم شهودنا لأفواج منا تغادرنا إليه! إن كل ذلك يحدث لأننا نخاف الموت، ننظر للموت على أنه نهاية الحياة متجاهلين أن احتمالات البقاء بالنسبة للعديد من الكائنات الحية من حيوانات ونباتات، ولأسباب مختلفة، تبقى ضئيلة وأن الحياة تبقى مستمرة، وتأخذ أشكالا أخرى مختلفة. متجاهلين أن خلايا أجسامنا في كل يوم بل في كل لحظة تحيا وتموت وهو ضروري لبروز أشكال أخرى من الحياة. الموت حق ولكن الحزن هو في فراق الأحبة، كنت أتساءل: هل الموت يبحث عنا حتى يضمنا في قوائمه؟ ماذا لو أنا من بحثت عنه؟ أن أختبر الموت في الحياة، وليس هناك تناقض لأن الحياة ليست ضد الموت بل الولادة هي ضد الموت، وإلا كيف تكون الدار الآخرة هي الحيوان «الحياة الأبدية» فقط أجسادنا تموت وأرواحنا تذهب للقاء بارئها، فبدون الجسد لم يكن هناك شيء يعرف بالموت فالروح تتخلص من هيئتها الشكلية في عالم الدنيا وتعود لهيئتها اللاشكلية.

الموت هو أن تكون روحك خارج الزمن المادي، وعليه عندما تعرف حقيقتك وكينونتك وجوهرك كروح حينها لا تتأثر بهذا الزمن المادي عندها لا يكون الموت إلا شكلا آخر مختلفا للحياة. إن وجودنا غير الدائم في هذا الجسد الفيزيائي هو الذي أعطى الموت معنى الخسارة والنهاية، ولكن في الحقيقة الموت هو العودة إلى المصدر الحقيقي، هو التخلي عن الحضور الفيزيائي بشكله المادي، والبقاء في الحضور الروحي. جميعنا يعلم أن لا وجود دائما لنا في هذه الدنيا، ومع ذلك نتعلق بها وكأنها خالدة. ماذا لو علمنا أن الموت يحرر هذه الروح من هذا الجسد الطيني بحيث تعود لموطنها الحقيقي.

وفي ذلك يتحدث المعلم «إيكارت تول» عن السعادة في الموت، وقد لخصها في عبارة: «موتوا قبل أن تموتوا». أخيرا أقول ذهبت روح «فاطمة» لتسعد بلقاء ربها وتحررت من هذه الفانية، رحمها الله وغفر لها ولكني ما زلت أحزن تارة وأفرح تارة أخرى!