آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

”ليلة شتاء ممطرة“

علي العبكري

ما أبرد هذه الليلة!!!

هكذا خاطب نفسه وهو ينفخ من فيه هواءً ساخنًا على يديه وهو يحركهما ملتصقتين، بعد برهة زمجرت السماء رعدًا أوصلت صوته للأرض وهذا الهزيم ماهو إلا رسول بشرى عطايا إليها.

يقوم من مقعده بهدوء ويتجه نحو النافذة يزيح ستارها ويُحدق بعينيه نحو السماء ويلمح البرق شاقًا نوره عباب السماء، يرخي ستار نافذته ويستسلم للنوم، راحت جفونه ترخي سدولها بينما كانت السماء ترسل هداياها إلى الأرض مطرًا غزيرا.

أشرقت الشمس فما أجمل إشراقها وداعبت أشعتها المطر وامتزجت لوحة ربانية بديعة. هذا فيما رفع هو جفونه وراح يدير عينيه محدثًا نفسه أنه بمثل هذه الأيام تشفى الأرواح المثقلة من عللها وتنطلق بمثله الأفئدة خيالا.

ينهض من سريره بتثاقل من أنهكت عظامه الستين حولا ويعزم أن يقض ذلك اليوم بروح الشباب. يعد عدته وينطلق مبتعدًا عن المدينة وازدحامها عن الجدران وصلابتها وينغمس في البرية وجمالها، يلمح تلًا من بعيد وينوي اقتحامه فيندفع إليه هاربًا من كل منغصات الحياة، يصل قمته فيتعمد النزول من مركبته خالعًا نعليه، يتحسس برودة الأرض الممطورة بباطن قدميه ويستنشق هواء رطبًا ويدير العينين في جمال خلق الباري.

حول المطر لون الرمال إلى مايشبه لون الذهب المصفى وتجمعت قطراته مكونةً غديرًا يسر الناظرين، فيما أخذ من طرف التل متكئًا مادًا بصره متذوقًا الهدوء والسكينة.

الغيوم تمازح الشمس فتحجب نورها تارة عن الأرض وتنتصر الشمس مفرقةً الغيم تارة أخرى، يُمعن النظر ويعصُر على عينيه ليلمح الطريق الدولي الذي بدى له من بعيد وكأنه خط رُسم بالقلم الرصاص على صفحة بيضاء، نعم هذا هو الشارع الذي تردد عليه عقدًا من الزمن، طريق سلكه حاملًا فيه آماله وأحلامه، البعض منها ظن أنه صعب المنال لفترة ولكن الزمن كان كفيلًا بتحقيقه.

نعم كان طريقًا سلكه أيام ثقيلة الحزن وأيام صهبة المذاق، وهنا بدأ يتذكر بعضًا من رفاق الأمس فسادت لحظة سكون وأغمض عينيه، فيا لتلك اللحظة التي فاضت فيها الذكريات حنينًا وطفت في مخيلته، ذكريات لسنين خلت بأماكنها وناسها وحواراتها راودته برهة عابرة فخفق القلب وتحشرجت النفس ولم يبق سوى ذلك الشعور الرابض بين خلجات ضلوعه نعم كانت لحظات لبقايا حنين ولم ينتبه إلا بشعوره بالرياح مسرعةً تجمع الغيوم نظر إلى السماء وتنبأ أنها ليلة شتاء ممطرة أخرى.