آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

مطعم كبير المهندسين

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

منذ ما يزيد قليلا على ستة أشهر، لم ألتق أصدقاء أعزاء، وإن كنا نتحدث هاتفيا. وحيث إن أعداد الإصابات بدأت بالتراجع - ولله الحمد والمنة - وأخذت تسود الرغبة في الانفكاك من أسر البيت، إلا أن ذلك لم يكن كافيا، لأتردد بقبول دعوة صديق عزيز لتناول الفطور صبيحة يوم سبت، غير أن التردد انقلب إلى قبول وحماس بعد أن أخبرني أن المطعم تديره أسرة سعودية، وأن من يقوم على المطعم، هو صديق أعرفه عز المعرفة.

ذهبنا في الموعد المحدد، فكنا أول الزبائن، وإذا بصديقي المهندس المعماري المخضرم والناجح في حرفته في الاستقبال بابتسامة عريضة وترحيب جم. جلست وصحبي، بعد أن ألقينا التحية على الأسرة الكريمة التي تدير المطعم من الألف إلى الياء، ليس فقط حسن الاستقبال، على أهميته، بل كذلك أخذ الطلبات وتحضير الوجبات. وتخللت جلسة الفطور أحاديث متنوعة مع صديقي المهندس، وأخذ يحدثني بثقافته الجميلة عن أن الأعمال العائلية تدخل روحا ورونقا للبلدات والمدن ولحاراتها.

حاجة اقتصادنا السعودي للمنشآت الأسرية ملحة، فهي التي ستجلب ”الروح“ والشخصية والسمة السعودية لكل ”زاوية“ و”حارة“ في بلداتنا ومدننا. من منطلق أن تلك المنشآت تقوم على فكر ومجهود أعضاء الأسرة وإسهاماتهم، ليكون المنتج عالي المحتوى المحلي، ومتميزا مما لا يمكن أن يجلب أو يستجلب من أي مكان آخر. فضلا عن أن هذا النموذج ”المنشأة الأسرية“ مجرب منذ الأزل، ولعله هو الأعلى مرونة، وبذلك فهو الأقدر على تحمل الصدمات الاقتصادية، والأكثر قدرة على التعامل مع انقباضات الاقتصاد وانفراجاته.

تجدر الإشارة إلى أن المنشأة الأسرية تختلف عن المنشأة العائلية، بالمعنى المتداول للمنشأة العائلية باعتبارها وعاء استثماريا في الأساس، في حين أن المنشأة الأسرية هي وعاء استثماري ووعاء عمل تنتج من خلاله الأسرة محتوى وقيمة، كأن تمتلك الأسرة المطعم وتديره، أو محل بيع الورود أو منشأة تأجير السيارات أو مصنع الصياغة، فتصمم القطع وتصنعها. وعلينا التذكر أن اقتصاد أوروبا القديمة قام، وما برح يقوم، على هذا النموذج، نموذج المنشأة الأسرية، التي تملك وكذلك تشمر عن سواعدها وتعمل في المنشأة، فلا يقتصر دورها فقط على تملك وتولي مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية، بل تتمسك بإدارة خط الإنتاج فهو الذي بدأت به، وما ينتجه من سلعة أو خدمة هو عنصر نجاحها الحرج. أعود لأقول، إن حاجتنا ماسة للآلاف من المنشآت الأسرية، التي تصنع فارقا يعزز تنافسية اقتصادنا ويميزه، وهي بلا شك بحاجة إلى خريطة طريق.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى