آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

نبي الرحمة

محمد أحمد التاروتي *

رحمة رسول الله ﷺ ليست محصورة في حياته، وانما تمتد على قيام يوم الدين، فالجميع يتلمس تلك الرحمة الربانية بشكل يومي، سواء خلال سيرته المباركة منذ ولادته وحتى انتقاله الى جوار ربه، فبالرغم من الأذى الذي طاله على يد مشركي قريش ابان بعثته، فانه اظهر الرحمة والرأفة على الجميع، ”اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون“، فيما ينقل القرآن على لسان بعض الأنبياء الدعوة لانزال العذاب على اقوامهم، نتيجة الإصرار على الكفر وعدم الايمان ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا.

يتطرق القرآن الكريم لرحمة سيد الرسل ﷺ، من خلال الاية الكريمة التي تقول ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ، فهذة الاية الكريمة تتناول احدى اهداف رسالة الرسول الأعظم ﷺ، فهي تتطرق الى الارسال كونه رحمة من الخالق لعباده، من اجل إعادة الفطرة السليمة الى المسار الصحيح، نظرا لتراكم الاعمال السيئة، مما ساهم في انحرافها وخروجها عن المسار الصحيح، فالرسالات السماوية على اختلافها تركز على العودة لعبادة الله ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ.

بالإضافة لذلك فان الاية الكريمة تركز على احدى الركائز الأساسية، لبعثة المصطفى ﷺ، فكما ان الرسالات السماوية وفي مقدمتها رسالة الإسلام رحمة للعباد، فان شخصية سيد البشرية رحمة للعالمين، فهذه الشخصية الاستثنائية تتجاوز حاجز الزمن، لتعبر الازمان منذ ادم حتى يوم الساعة، فالرسول الاكرم ﷺ جاء لإنقاذ البشرية من الضلالة، وانارة الطريق عبر رفع الحجب، لاعادة الإنسانية جمعاء لجادة الصواب، وبالتالي فان رحمة رسول الله تتجاوز الاطار الجغرافي الضيق، والدائرة الزمنية المحدودة، لتنطلق في الفضاء الحغرافي الواسع، وكذلك لتكسر الدائرة الزمنية المحدودة، مما يفسر الأثر المستمر لهذه الشخصية، لدى أصحاب الضمائر الحية على مر التاريخ.

رحمة سيد الخلق ﷺ شاملة للعاملين ”الجن والانس“، فهي الرسالة الخاتمة القادرة على التعاطي مع التحولات الزمنية، والتفاعل المستمر مع متطلبات الفطرة البشرية على الدوام، الامر الذي يفسر الرحمة التي برزت في اهل الجاهلية في الجزيرة العربية، وقوم قريش بالدرجة الأولى، فالرسول ﷺ استطاع انقاذ هذه الفئة من الشرك الى الهداية، مما يمثل رحمة لقومه من الهلاك في النار، ”وكنتم على شفا حفرة من النار، مِذْقَة الشارب ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القدّ، أذلة خاسئين صاغرين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمدٍ ﷺ بعد اللّتيا والتي“.

رحمة المصطفي على الامة الإسلامية، تتجلى في كونها ”الامة المرحومة“، حيث استطاع إرساء قواعد أخلاقية راسخة في وجدان هذه الامة، مما ساهم في ادخال الرحمة في القلوب القاسية، التي كانت تمارس وأد البنات، وتمارس اقبح الموبقات، وشتى أنواع الممارسات الوحشية، بحيث باتت القيم الإسلامية والمبادئ الأخلاقية حاكمة، لدى المجتمعات الإسلامية، باعتبارها احدى العلامات البازرة لدى هذه المجتمعات.

سيرة سيد الخلق ﷺ التي نقلت بعض شذراتها كتب التاريخ، تكشف الكثير من الجوانب القادرة، على احداث انقلابات حقيقية لدى جميع البشر، فهذه الشخصية الفذة والاستثنائية التي لم ولن تولد مثلها في التاريخ البشري، استطاعت ترك مواقف ما تزال مصدر اشعاع للمجتمعات البشرية، بحيث يتجلى في الانجذاب الكبير، لدى جميع البشر لهذه الشخصية العظيمة، فالتاريخ يسجل مواقف الرحمة التي اظهرها تجاه الأعداء على اختلافهم، بحيث تجلى في العفو عن صناديد قريش بعد فتح مكة.

رحمة رسول الإسلام ﷺ ما تزال تترجم بشكل عملي في العصر الراهن، فكل انسان ينير الله قلبه للاسلام، بالانتقال من ضفة الضياع والحرمان، الى شاطئ الرحمة والغفران، احدى مصاديق ﴿ما ارسلناك الا رحمة للعالمين، فالمجتمعات البشرية على اختلافها ما تزال تتنفس رحمة المصطفي، من خلال الطوابير الطويلة التي تتنافس في الدخول في ركب الإسلام، فالشعور بالسعادة الروحية، والاستقرار النفسي بعد اعلان الإسلام، احدى اشكال رحمة نبي الإسلام ﷺ على البشرية جمعاء.

كاتب صحفي