آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

لكورونا وجه آخر أجمل

الدكتور أحمد فتح الله *

مقدمة

على غرار مقولة ”في البدء كانت الكلمة، لكن بعيدًا عن أصلها وتفسيرها اللاهوتي، يمكننا أن نقول يومًا،“ في ديسمبر كانت ”كورونا“... والكلمة إمبراطورة وتاريخ، كما يرى نيقولاس أوستلر في «إمبراطوريات الكلمة»، زحفت على العالم وأصبحت هي كلمة عام 2020م، رغم أنها أنجبت ”كوفيد-19“ «COVID-19»، لكن جمالها وخفتها ورشاقتها جعلتها المفضلة عند عشاقها، والمشكلة أنها عشيقة الجميع بطرق مختلفة. وكما قيل، ومن الحب ما قتل، قتلت أبرياء، ولخبطت حياة الناس، عزلتهم، جعلتهم يخافون الاقتراب من بعض بسببها، حتى من تسمى باسمها من قبل أن يعرفها الصينيون في يوهان، ويطير بذكرها البشر في باقي البلدان. قبل ذلك، كان اسم كورونا، اسم للورود الزاهرة، وهالة النور، والحلوى اللذيذة، والأماكن الراقيَّة، والفتاة الجميلة، والجعة المحبوبة، والسيجار البرجوازي. المفارقة، أن ”ديسمبر“، أيضًا تغنى به الشعراء العرب، كنزار قباني في قصيدته الرائعة

”فاطمة في الريف البريطاني“، مطلعها: ”شهر ديسمبر رائع“...

::

”شهر ديسمبر، يبقى ملكاً بين الشهور“

وتقول أميرة عدنان في قصيدة ”ديسمبر“:

”يا أُعجوبةُ البداية...

يا أُلعوبةُ النهاية...

ديسمبر...

بردٌ دافيءٌ يختصر الحكاية“

فشهر ديسمبر يضم أجمل الليالي والأجواء الرائعة، وفيه يستقر الناس في بيوتهم بسبب الطقس البارد، فهو شهر نزول الثلوج في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، فيجتمعون في هذا الشهر في بيوتهم ويغمرهم الحنين والدفء والمشاعر الجميلة، وله طقوس غير الشهور الأخرى؛ كُلُّ هذا كان قبل ”كورونا“ وبدونها. أَمَّا مواليد هذا الشهر فقد وصفوا بأوصاف تعكس رؤية الشاعرين نزار وأميرة، وغيرهما ممن تغنوا ب ”ديسمبر“. لذا يمكننا أن نقول: بين ”ديسمبر“ و”كورونا“ شيءٌ يشبه الحكاية، أو شيءٌ من الجمال الخفيّ.

كورونا الجمال

”كورونا“ أصلها ”كْرَاونْ“ crown»، أي ”التاج“، وهو مستوحى من الكورنا اللاتيني «إكليل يلبس على الرأس كعلامة شرف أو شعار مُلْك أو عظمة»، وهالة حول جسم سماوي، والجزء العلوي من أعمدة الديكور في المباني والتي تأخذ أشكالًا تاجية مختلفة. وحسب معاجم اللغة الإنجليزية، ”معجم ميريم ويبستر“ وأكسفورد، و”كامبريدج“ والمعجم الافتراضي على الشبكة العنكبوتية «dictionary.com»، كلمة ”كورونا“ تعني أمور كثيرة: من أي شيء يوحي بتاج، وأشياء في جسم الانسان، حتى أشياء في النبات، في البناء والعمارة، في الكهرباء، وفي الفلك [1] .

كورونا..الوجه الانساني

المعاني والدلالات سابقة الذكر، وغيرها، رغم جمالها لا تلامس اهتمامات الإنسان العادي مثل المعاني الجميلة والقريبة منه كثيرًا، لارتباطها بأسماء لمتعة ولذة وطرب ومسيقا وطبيعة وسكن، كالّتي تبرزه ”الكورونيات“ التالية:

1. ”الكورونا“ «la corona»: اسم سيجار طويل ذو جوانب مستقيمة حتى النهاية، تُشعل ويكون حادًّا تمامًا في الطرف الآخر. «”la“ أحد أدوات التعريف في اللغة الأسبانية، مثل ”أل“ في العربية»، ومثله:

2. ”الكورونا“ «la corona» اسم موقع أثري أكتشف في منطقة مايا في غوانتيمالا عام 1999م.

3. ”إكسترا كورونا“، «Extra Corona» اسم نوع من أنوع الجعة «البيرة، الفقاع» الشهيرة في المكسيك.

4. ”كورونا“ اسم مدينة جميلة في جنوب كاليفورنيا، شرق لوس إنجيليس في مقاطعة ريفرسايد «Riverside County»، باسم «The City of Corona»، تبعد عن لوس أنجيليس «Los Angeles» بسبعة وسبعين (77)كيلومتر. توسم ”كورونا“، التي عدد سكانها حوالي مائة واثنان وخمسون ألف «152,347»، ب ”المدينة الدائرة“ «The Circle City، و”قرية التاج“ «Crown Town»، وختمها الرسمي «The Official Seal» يحمل صورة ”تاج ملكي أصفر“.

5. كورونا اسم لنوع من الشوكلاتة «Corona Sweet Chocolate Bar لشركة في كولومبيا، وهو اسم أيضًا لشكولاتة مصرية تنتجة ”شركة سونيد“، التي كانت في الأصل ”كورونا: شركة الأسكندرية للحلويات والشكولاتة“، وقد تأسست الشركة في العام 1919م على يد رجل أعمال يوناني ثم تَمَّ تأميمها من قبل الحكومة المصرية العام 1963م.

6. كورونا اسم شركة أدوات ««Corona Toolsأمريكية ومسجلة باسم «Corona: Season After Season»، وتطلق على أدواتها، مقص كورونا، منشار كورونا، وهكذا، وتسوق منتجاتها عن طريق شركة أمازون «Amazon».

7. مركز تجميل نسائي وأداوته في أمريكا https://www.coronabeautysupply.com

8. ”كورونا“ اسم أشهر فرقة غنائية إيطالية تعرف ب» فريق كورونا الغنائي «وهذه الفرقة بدأت نشاطها في منتصف التسعينيات واسم كورونا في اللغة الإيطالية، وهي لغة أوروبية، يقصد به» التاج «.

9. ”كورونا شروتر“ اسم مطربة ألمانية من أشهر مطربات القرن الثامن عشر، وهي شقيقة المؤلف ”فيلهيلم شروتر“، وقدمت أعمالاً كلاسيكية شهيرة في الموسيقا بالتعاون مع يوهان فولفغانغ فوت غوته، حسب موقع يورونيوز الألماني «euronews».

10. وذكر موقع خبرني في 26 مارس 2020م أن أسرة هندية أسمت ابنتها المولودة ”كورونا“، وليس ذلك ”للاستهزاء أو السخرية أو التقليل من خطر الوباء العالمي، بل من أجل التفاؤل في إيجاد حل والدعوة إلى التوحد والتماسك في هذه الأزمة“. وحسب ”موقع الحرة“، في 4 أبريل 202م، عائلة هندية أيضًا تطلق على توأمها اسميّ ”كورونا“ «ولد» و”كوفيد“ «بنت»، للتعبير عن ”الانتصار على الصعاب.“

11. ”كورونا“ هو الاسم الأول لـ ”كورونا نيوتن“ Corona Newton»، البالغة من العمر 49 عامًا، والموظفة في الخدمة المدنية في أولدهام في إنجلترا، لكنها، تقول أنها تعرضت للنكات بل حتى الإيذاء لأن اسمها ”كورونا“، جاء هذا في مقابلة معها في 9 نوفمبر 2020م، ونشرت في أخبار ”ب. ب. سي نيوز“ «BBC News». ويذكر دانيال ويتنبرغ «Daniel Wittenberg»، الصحفي الذي قابل كروان وأعد المقال، أنه بحسب مكتب الإحصاء الوطني «البريطاني»، فقد تم تسمية أقل من ثلاث فتيات ب اسم ”كورونا“ في عام 2019م، ولم يتم تسجيله ضمن أفضل 100 اسم للفتيات خلال الفترة من 1904م إلى 2019م «2,12. وحسب موقع https://www.thebump.com/b/corona-baby-name، وهو موقع لمراقبة أسماء المواليد في الولايات المتحدة الأمريكة في مدينة شيفي شيس بولاية ميريلاند، كورونا، كاسم فتاة من أصل اسباني بمعنى ”التاج“، كان مشهورًا وشائعًا جدًا في 1912-1927م، ثم بدأ يقل شهرة وشيوعًا، وكان أقلها في 1980م، ولعله، اجتهادًا مني لعدم وجود بيانات بعد هذه الفترة، انعدم الاسم. لكن ابتداءً من 5 مارس 2020م «في ذروة الجائحة» بدأ الاسم العودة للظهور مرة أخرى بعشرات الأسماء، حتى أن مولودة قبل 16 ساعة من دخولي على الموقع الساعة الثالثة فجرًا من يوم 22. ديسمبر 2020م، إعدادًا لهذا المقال، سميت ”كورونا“ [3] .

في الختام، لَيْسَ كُلُّ ”كُوُرونا“ فَيْروسي مُمْرِض، بل هو اسم جميل شوهته الجائحة، فظلمته التسميَّة باسمها، ولعلَّ ”الكورونات البريئات“، التي ولدن أثناء جائحة كوفيد-19، يكنَّ نفائح تفاؤل للخروج من هذه الأزمة وأكاليل الزهور على رؤوسهن، ويفرح بهن أهاليهن وتفرح البشرية معهم، ويشبعن من ”شكولاتة كورونا“ ويصففن شعورهن في صالونات ”كورونا النسائي“، وينعمن بوظائف في شركات كورونية على غرار ”أدوات كورونا“، دون أن يقربن ”سيجار كورونا“ ولا ”بيرة كورونا“، لينعمن بصحة وعافية. ولعَلَّ ”كوفيد بن فيناي“ يصبح عالمًا في الفيروسات يحمي البشرية من شرورها، وزوجته ”كورونا“، أو/و أخته تصبح عالمة الأمراض المعدية تنجح في وقف انتشارها فور بروزها.

[1]  لتفصيل أكثر حول هذه المعاني انظر: مقال ”الاسم والمصطلح“، للكاتب منشور في صحيفة ”جهينة“ بتاريخ 9 - 4-2020م، على الرابط التالي: https://jhna.co/65056

[2]  تقول كورونا: ”لم يستطع والداي الاختيار بين سارة وكاثرين لذا انتهى بهما الأمر باختيار كورونا“، على اسم القابلة التبشيرية التي أنجبتها. انظر: ”لقد أوذيت لأن اسمي كورونا“ Covid-19: "I`ve been abused because my name is Corona". الرابط: https://www.bbc.com/news/uk-england-manchester-54868143

[3]  حسب موقع https://www.familyeducation.com/baby-names/name-meaning/corona فإن الاسم استخدامه في أسبانيا وإطاليا كإسم أنثوي، أو كاسم مستعار لـ شخص وفاءً لنذر ديني أو لديه نفوذ وقوة.
تاروت - القطيف