آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

الرأي العام ونجاعة اللقاح

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

سيلٌ من الفيديوهات والرسائل النصية والمسموعة، تصل الناس عبر تطبيق ”واتس أب“، كثيرٌ منها يحذر من تعاطي لقاحات كوفيد - 19، مشككة في نجاعتها، ومنذرة بالخطر الجسيم الآتية به، وصولاً لاعتبارها مؤامرة على البشرية!

هذه المواد، إضافة لما كابدته البشرية من آلام مادية وجسدية وروحية، لنحو عام، جعلت دائرة الشك تتسع. خصوصا أن الموضوع شائك وبه الكثير من المساحات العلمية الدقيقة، التي لا يفقه فيها غير الخبراء والباحثين المختصين، وهم عادة في أغلبيتهم الساحقة لا يظهرون في الإعلام، لأنهم مشغولون بالعمل على إنتاج أدوية أو لقاحات أو دراسة الفيروس وآلية تطوره، والجزء الأكبر منهم يأخذه الوقت في علاج المرضى؛ ولذا كان أرباع العلماء، وفاقدو الأهلية، لهم سطوة في الحضور المرئي والمسموع، ما جعلهم يكونون صورة ذهنية سلبية مشوهة لدى الجمهور العام.

هذه الحملات المضللة بقدر ما هنالك جزء عفوي منها، هنالك جزء منظم، لأهداف اقتصادية وتجارية وسياسية. هي جزء من صراع القوى والنفوذ والمال، والرغبة في توجيه الرأي العام والسيطرة عليه، أو التشكيك في لقاح معين بهدف الترويج لآخر! وهي مسألة معقدة جدا، يكون فيها المتلقي متأثراً، لا مُؤثراً.

السعودية منذ بداية الأزمة اتخذت إجراءات احترازية مُشددة، ووضعت ميزانيات بمليارات الريالات بغية الحد من خطر الوباء. وهي من أوائل الدول التي أعلنت بدء برنامج التلقيح، ووفرته مجاناً للمواطنين والمقيمين، رغبة منها في الحفاظ على الصحة العامة أولاً، والعودة إلى الحياة الطبيعية تالياً.

وزير الصحة توفيق الربيعة بدأ بنفسه وتلقى الجرعة الأولى من لقاح ”فايزر بيونتيك“، ومن ثم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يضاف إليهم وزراء ومسؤولون حكوميون وأمراء.

اللقاح الذي سيتم إعطاؤه على مراحل، سيشمل ”خط الدفاع الأول“ في وزارة الصحة؛ فلو كان هذا اللقاح غير آمن، أو أن أضراره الجانبية جسيمة، فهل ستعمل الحكومة السعودية على إعطائه لكبار مسؤوليها، وتضحي بكوادرها الصحية، وتضعف من مناعة شعبها، وتهدر مليارات الريالات هباء منثورا!

إن من حق أي شخص أن يختار التلقيح من عدمه، ويجد أجوبة علمية على أي شكوك أو استفسارات لديه، ويكون رؤية واضحة تخلق لديه قناعاته المبنية على ”المعلومة الطبية“، التي على أساسها يتخذ قراره. إنما ليس من المنطق أن يسير الناس دون تفكير خلف الإشاعات التي تخلق الهلع والذعر وتربك الرأي العام، وهو الأمر الذي له أضرار على الصحة النفسية، ويطيل أمد الأزمة الصحية والاقتصادية، ما يعني مزيداً من المعاناة لآلاف الأسر المتضررة من الأزمة.

الوعي أساس التصرف، ودونه لن نخرج من تبعات الوباء، والأهم عدم إعارة العقول لأيٍ كان، بل تحصينها بالقراءة والمعلومة الصحيحة من مصادرها الموثوقة.