آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 6:58 ص

مرض العظمة

محمد أحمد التاروتي *

امتلاك الثروة والسلطة عناصر أساسية، لتضخم الذات بصورة غير طبيعية، بحيث تنعكس على العلاقات الخارجية، وكذلك على طبيعة التعاطي مع الواقع الاجتماعي، انطلاقا من الإحساس الداخلي بامتلاك أدوات غير متوافرة للوسط المحيط، الامر الذي يسهم في وضع حواجز مادية ومعنوية مع العالم الخارجي، ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ، ﴿فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى ، فالثروة والسلطة تحرك النوازع الداخلية، واظهار الطموحات المكبوتة تجاه البيئة الاجتماعية، بحيث تظهر على شكل ممارسات صادمة، وأحيانا مفاجئة.

الشعور الداخلي بضرورة فرض السيطرة على المحيط القريب، يستدعي استخدام الثروة في استمالة بعض العناصر، لبناء سور سميك مع المحيط الاجتماعي، انطلاقا من قناعات بوجود فوارق جوهرية مع البيئة الاجتماعية، نظرا لتوافر عناصر غير متوافرة لدى العديد من الفئات الاجتماعية، الامر الذي يستدعي التعامل بفوقية مع القريب قبل البعيد، حيث تتجلى تلك الممارسات في الكثير من الاعمال والسلوكيات، فتارة عبر انتهاج بعض القرارات الداعمة لتعميق ثقافة ”العظمة“ في الذات، وتارة أخرى بواسطة وضع الحواجز المانعة من المساواة مع بقية افراد المجتمع.

إساءة استغلال الثروة والسلطة، يمثل احدى العناصر الأساسية، وراء تنامي الغرور الذاتي، فالعملية مرتبطة بالاليات المتبعة في ترويض الذات، وعدم الانخداع بالمظاهر الدنيوية الزائلة، فالسلطة تولد شعورا معنويا بالقوة والقدرة على تسخير الاخرين، نظرا لتوافر الأسباب والإمكانيات الداعمة، لاجبار الاخرين على تلبية الرغبات، وتنفيذ القرارات، سواء كانت عن طيب خاطر، او نتيجة الخشية من الانتقام، والتعرض للضرر، الامر الذي يحدث حالة من الرضا والتضخم الداخلي، بحيث ينعكس على سلوكيات غير متوازنة وجنونية في بعض الأحيان، وبالتالي فان توافر السلطة لدى البعض تصبح وبالا عن البيئة الاجتماعية، نظرا لعدم القدرة على السيطرة على الذات، وكبح جماحها في تخريب العلاقات الإنسانية بالوسط الاجتماعي.

الغرور المالي بدوره يحدث اثرا كبيرا، في تنامي نزعة العظمة لدى البعض، فالسلوك الخارجي سرعان ما ينقلب رأسا على عقب، بمجرد امتلاك بعض المال، بحيث تكشف سلطة المال طبيعة البعض، من خلال التكبر على الاخرين، ومحاولة فرض نفسه على الواقع الاجتماعي، بطريقة قسرية اعتمادا على الثروة، فتارة بواسطة العمل على شراء الاخرين عبر البذخ والصرف، وتارة أخرى بواسطة انتهاج سلوكيات خارجة عن السياق المتعارف، انطلاقا من قناعات ذاتية وغير مستقيمة في الغالب، تتمثل في الطلاق البائن مع المرحلة السابقة ”مرحلة ولت الى الابد بدون رجعة“، مما يفرض اتخاذ اليات وممارسات تتناسب مع الوضع الجديد.

التربية تمثل احدى العناصر الأساسية، وراء تنامي جنون ”العظمة“، فالشعور بالتمايز القبلي او العائلي يولد غرورا كبيرا في الذات، بحيث يظهر في التعالي على الاخرين، ومحاولة إهانة الوسط القريب والبعيد على حد سواء، انطلاقا من التربية الداعمة لتكريس العظمة في الذات، لاسيما وان بعض الفئات التي تمتلك الثروة، تحاول اظهار تمايزها بطريقة فجة، مما ينعكس على السلوك الخارجي مع البيئة الاجتماعية، الامر الذي يعزز هذه الثقافة، لدى بقية افراد العائلة منذ نفومة اظفارها، وبالتالي فان التربية تسهم في تنامي سلوك ”العظمة“، لتصبح ممارسة اعتيادية مع الزمن.

عملية السيطرة على النوازع الذاتية، وكبح جنون ”العظمة،“ مرتبطة بالثقافة الذاتية والمرتكزات الفكرية، فهناك بعض الفئات تتنازل عن جميع القناعات السابقة، بمجرد امتلاك السلطة، والحصول على الثروة، من خلال الانتقال السريع الى ضفة تضخم ”الذات“، والعمل انتهاج سلوكيات تكرس ثقافة ”العظمة“، في البيئة الاجتماعية، فيما تتمسك بعض الفئات الاجتماعية بالمرتكزات الثقافية، وترفض النوازع الشيطانية، المحركة باتجاه التعالي على البيئة الاجتماعية، انطلاقا من قناعات راسخة، بضرورة التعاطي مع الوسط الاجتماعي بطريقة متوازنة، بما يحفظ المكانة الشخصية، ويعزز العلاقات الإنسانية، خصوصا وان السلطة والمال عناصر ليست ثابتة، ومعرضة للزوال بين لحظة وأخرى، الامر الذي يفرض انتهاج الطريقة الإنسانية والأخلاقية، في التعاطي مع البيئة الاجتماعية.

كاتب صحفي