آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

قصة قصيرة

اعترافات صورة ممزقة

عبد الباري الدخيل *

أعترف أنني كنت أحبها..

وكانت أمنيتي الزواج بها..

⁃ وطلقتها..

⁃ نعم طلقتها..

⁃ لماذا؟

كانت أمي وصية أبي، قبل وفاته قال لي: يا ولدي أوصيك بأمك فإنها رفيقة دربي، وأوصيك بابنة عمك فإنها قرّة عين عمك.

وقد أوصاني عمي بابنته ليلة إجراء عقد النكاح، أمسك يدي بكلتا يديه وهمس: يا ولدي أحمد ترى سميرة قلبي، وأي ألمٍ يصيبها يصيب قلبي.. ثم نظر في وجهي مباشرة وأكمل: هل تحب لقلب عمك الألم؟

⁃ لا يا عمي لا أحب أن تتألم، لكنّ سميرة جرحتني.

نعم.. طلقتها.

أعتذر يا أبي.. أعتذر يا عمي.

لقد طلقتها..

كنت أحبها.

عندما يمر اسمها في حديث أمي وأختي

يسقط ما بيدي

جميعهم يلحظون سقوط الكأس من يدي لكنهم لا يلحظون رجفة يدي.

اسمها يسبب اهتزاز قلبي

ينعش ذاكرتي بالصور

يفتح صندوق ذكريات الطفولة.

اسأل نفسي: كيف سأسمح لهذا الاسم أن يختفي خلف «أم فلان»؟

لا أظن أنني سأناديها يوماً بغيره، سأحافظ على وهجه وموسيقاه سيسبقه «غناتي»، أو سيتبعه «حياتي»

⁃ نعم كنت أحبها..

⁃ إذاً لماذا طلقتها؟

⁃ كنت أحبها بجنون

ذات مساء كنت أقرأ في رواية استعرتها منها، بواسطة أختي.

فجأة سألت خيالها: سميرة كيف تقرأين الكتب؟

كيف تمسكينها؟

هل وضعتُ يدي على يدك؟

هل تفتحين الكتاب بيد واحدة وتمسكينه بالإبهام والخنصر؟

أم تمسكينه بيديك؟

هل تعانقين الكتاب؟

هل تستلقين وتبقينه قريباً من قلبك.. أو فوقه؟

هل تضعينه بجوارك أو تحت الوسادة فهو آخر المودعين قبل النوم وأول المستقبلين بعده؟

وقصاصات الورق هل تضعينها كشاهد للعودة أم علامات لمحطات توقف واستراحة؟

شممت الرواية فعبق شيء من عطرها العالق بغلافها

وضعت أذني على ورقها أتلصص على حديثهما..

كانت تتثاءب وتهمس: ”النوم يغالبني، ولكنني يجب أن أعترف، لقد وقعت في حبك، بودي لو أعيد قراءتك مراراً وتكراراً“

تحسست بأصابعي تاريخ الشراء بالقلم الأخضر في صفحة الغلاف الداخلي..

خطها ناعم يشبهها، وجميل مثلها، وأنيق كأناقتها، وفاتنٌ كفتنتها.

⁃ كنت أحبها

⁃ لماذا طلقتها؟

كان زواجنا عبارة عن إعلان لدخول حديقة الياسمين، وبحيرة البجع.. لكن لكل شيء نهاية.

بعد الزواج بسنة أو أقل بدأت تتحول حياتنا لكابوس، وبدأت النوارس تفرّ من بحيرتنا، وذبلت زهور الياسمين.. بدأت سميرة تقارن بين حياتها وحياة زميلاتها، وصارت تسرف في الذهاب للأسوق وفي الشراء بلا حاجة.

قلت لها ذات حوار: ”يا سميرة جمعي فلوسك تنفعك“.

قالت: ”فلوسي وأني حرة فيها“.

⁃ لقد طلقتها

⁃ هل طلقتها لأنها كانت مسرفة؟

⁃ لا.. كنت أحبها.

في ذلك المساء سمعت أمي تحدثها: يا سميرة ما يصير ولد أختك يدخل البيت بدون استئذان البيت له حرمة.

قالت: ولد أختي بعده صغير.

قالت لها أمي: لا يا سميرة، ولد أختك رجال وهذا حرام.

قالت بصوت فيه حدة: ”هذا بيتي وأدخلْ فيه اللي يعجبني، واللي مو عاجبنه الباب يوسع جمل“.

صرختُ فيها: سميره.. "بس كفاية.. إلا أمي.. هذا البيت لك فيه مثل ما لها..

ثم وأنا أشير للباب: وإن كان مو عاجبنك.. الباب يوسع جمل".

⁃ كنت أحبها

⁃ لماذا طلقتها؟

خرجتْ سميرة من البيت.. هي اختارت الرحيل.

⁃ مازلت تحبها؟

⁃ قلت لك: كنت أحبها.