آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 12:10 م

لا تتبع شغفك

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

من ضمن النصائح التي طالما تعلمناها وتشربناها، خاصة من مدربي تطوير الذات، هي أن الإنسان الناجح يجب أن يكون لديه طموح، وأن السعادة والشغف يرتبطان بمقدار ما تمتلك من أحلام، ثم تجد أن هذا الإنسان يكرس جل حياته من أجل الوصول إلى أهدافه التي رسمها لنفسه، لكن السؤال الذي يتجاهله البشر كل يوم، وهو ماذا بعد؟ ماذا بعد الشغف وتحقيق الحلم؟ هل تلك نهاية المطاف؟ هل هذا هو النجاح؟ هل هذه السعادة المرجوة في الحياة؟ الإجابات وجدتها في فيلم الرسوم المتحركة ««الروح» soul» الذي أنتجته ديزني وبيكسار، وقد تم عرضه في 25 ديسمبر 2020 في دور السينما العالمية.

تدور أحداث الفيلم عن شخصية «جو» وهو رجل أربعيني، من أصول أفريقية شغوف جدا بعزف الجاز «البيانو» ويعمل مدرس موسيقى في المرحلة المتوسطة. وقع الاختيار على «جو» بأن يصبح مدرسا دائما في المدرسة، بحيث يصبح لديه تأمين وراتب ثابت، لكنه لم يكن سعيدا في تثبيته على الوظيفة، كان يقول دائما: «سأموت سعيدا إذا تمكنت من العزف مع دورثيا ويليامز» وبالفعل في هذه الأثناء جاءت له فرصة، لكي يلعب موسيقى الجاز مع أشهر عازفة في نيويورك، قفز «جو» من الفرحة وأخذ يصول ويجول في الشوارع والطرقات، حتى سقط في إحدى البيارات المكشوفة وهنا ينتقل بنا الفيلم إلى عالم آخر غير واقعي، أصيب «جو» بغيبوبة، وانتقل إلى عالم الأرواح وعالم ما وراء الطبيعة، ظل رافضا للموت حتى وهو في تلك العوالم، لأنه لم يحقق شغفه بعد.

وحاول أن يجد حيلة حتى يستطيع العودة إلى الحياة، واستعان بإحدى الأرواح في تلك العوالم تسمى «روح 22» وهي روح ليس لديها رغبة في الحياة واستطاع «جو» أن يقنعها بالقوة، حتى نزلت روحاهما ولكن بشكل كوميدي ساخر، حيث نزل «جو» على جسد قطة و«روح22» نزلت على جسده وصار يوجهها، وهو على شكل قطة حتى يلتحق بشغفه ولا يفوت فرصة اللقاء مع العازفة المشهورة، كانت «روح22» تستمتع بلحظتها فترقص، وتأكل الحلوى، وتنظر إلى جمال الأشجار، والأوراق المتساقطة، وكان دائما ما يسخر منها، ثم ذهبا لمحل الحلاقة حتى يتزين، وهنا كان حوار رائع، يقول الحلاق وهو يتحدث مع «روح22» المتلبسة بجسد «جو» كان عندي طموح أن أكون طبيبا، لكنني الآن مستمتع بعملي وبحب الناس لي، وكله فقط من على هذا الكرسي، استمرت الأحداث بشكل كوميدي، حتى رجعت روح «جو» إلى جسدها الحقيقي ولاحق هدفه، وفعلا قدم أفضل أداء موسيقي، وبعد خروجه من مقهى العزف أخذ يتساءل: ماذا بعد؟ يبدو أن «جو» لم يشعر بمشاعر السعادة بعد تحقيق هدفه، رجع بذاكرته قليلا للوراء، وأصبح يتأمل شخصيته في الماضي وشخصيته المتلبسة ب «روح22» وهنا حصلت له نقلة الوعي، وكأنه كان نائما واستيقظ، شعر حينها بأن شغفه أفقده الاتصال بالحياة وبهجتها، أصبح منفصلا عن أسرته وتلاميذه وزملائه في العمل وكل أصدقائه، كان غائبا عنهم، كان جسدا بلا روح، وقرر أخيرا بأن يكون شغوفا بالحياة، وأن يستمتع بكل الرحلة، وأما موسيقى الجاز فما زال يمارسها، لكن ممارسته الآن بشكل إبداعي، لأنه يتعاطى معها كتعبير جمالي عن روح الحياة.

أخيرا أقول: الفيلم نجح باحترافية في تأكيده لمقولة «موتوا قبل أن تموتوا»، ونجح كذلك في توقيت عرضه في نهاية 2020، وكأنه يريد القول: الحياة أكبر مما يحدث فيها، فكن متصلا معها، فنحن لم نولد فقط لكي نحقق هدفا أو حتى شغفا واحدا.