آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 7:29 م

التوافه

محمد أحمد التاروتي *

غياب الوعي الكامل يدخل العديد من الشرائح الاجتماعية في متاهات حياتية مظلمة، نظرا لتوجيه مؤشر البوصلة في الاتجاهات المعاكسة، الامر الذي يسهم في استنزاف الطاقات في قضايا هامشية، ليست قادرة على تحديد الهدف الأساسي، حيث يتجلى في اثارة الكثير من الأمور التافهة، والعمل على تضخيمها بطريقة مباشرة او غير مباشرة، انطلاقا من وجود قناعات تامة بانعدام الوعي الاجتماعي القادر على اكتشاف الغايات، والأهداف الرئيسية من وراء اطلاق بالونات، قابلة للانفجار بين فترة وأخرى.

التفاعل السريع مع القضايا التافهة، احدى النقاط التي ينطلق منها أصحاب المشاريع التدميرية، فالامتناع عن التعاطي مع الطرح الهامشي، يحول دون امتدادها واستحواذها على التفكير العام، الامر الذي يقلل من تحولها الى ”هم يومي“ يشغل الساحة الاجتماعية، وبالتالي فان الاحتفاظ بالطاقات وعدم استنزافها، بحاجة الى عناصر قادرة على تحديد الملفات الأساسية، والابتعاد عن الدخول في القضايا الهامشية، نظرا للاثار السلبية المترتبة على انخراط العقل الجمعي في الركض وراء ”التوافه“، مما يحدث انتكاسة كبرى في مفهوم الاهتمامات الاجتماعية، بحيث تتحول الى إداة تدار بواسطة اطراف خفية، تعمل على اثارة جانبية، عوضا من التركيز على أمهات القضايا، ذات العلاقة المباشرة بعملية التطور الاجتماعي.

توجيه الأنظار للقضايا الهامشية مرتبط بوجود ملفات كبرى، تحاول بعض الفئات الاجتماعية ابقاءها طي الكتمان، او بعيدة الأنظار للابد، مما يدفع للعمل على اشغال البيئة الاجتماعية بقضايا ”تافهة“، بغرض توجيه الرأي العام صوبها، ومنع اثارة القضايا الرئيسية والكبرى، خصوصا وان التوجه نحو تلك الملفات الرئيسية يساعد في اماطة اللثام، عن الكثير من الأمور المسكوت عنها، الامر الذي يسهم في ترتيب البيت الداخلي، والعمل على تصحيح الأوضاع الخاطئة، سواء من خلال وضع برامج قادرة على لرفع الوعي الاجتماعي، او بواسطة وضع الأصابع على مواطن الخلل، بهدف إيجاد العلاجات المناسبة، ونفض غبار عن العقول الغافلة.

القدرة على توجيه البيئة الاجتماعية نحو القضايا الهامشية، مرتبطة بالسيطرة على العقل الجمعي، وإمكانية برمجة التفكير لدى العديد من الشرائح الاجتماعية، خصوصا وان عملية السيطرة على الرأي العام بحاجة الى أدوات، وإمكانية ليست قليلة، مما يستدعي لاستخدام الماكنة الإعلامية، في سبيل وضع البيئة الاجتماعية في المسارات المستهدفة، نظرا لقدرة الاعلام على تشكيل القناعات لدى العديد من الفئات الاجتماعية، بحيث تصبح الأمور الهامشة ذات أولوية قصوى، والقضايا الكبرى تتراجع الى الصفوف الخلفية، وبالتالي فان عملية السيطرة على العقل الجمعي ليست متاحة في الغالب، الامر الذي يستدعي وضع الكثير من الأدوات، وتسخير الإمكانيات في سبيل توجيه البيئة الاجتماعية، بالاتجاهات المطلوبة، بهدف إبقاء السيطرة الإعلامية أطول فترة ممكنة، ”فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ“، ”إِنِّي أَرَى? مَا لَا تَرَوْنَ“.

الخروج من التنويم المغناطيسي للماكنة الإعلامية، مرتبط بارتفاع الوعي الاجتماعي، فعملية ابطال ”سحر“ الاعلام خطوة أساسية، في التوجه صوب القضايا الجوهرية، حيث تتمثل خطوات ابطال ”سحر“ الاعلام، في عدم الاستجابة الطوعية لما يطرحه بعض الاعلام، انطلاقا من الايمان الكامل بضرورة العمل على دراسة المشاكل الحقيقية الاجتماعية، وعدم إضاعة الوقت واستنزاف الطاقات، في الركض وراء ملفات ”هامشية“، ليست قادرة على رفد المسيرة التنموية، فضلا عن كونها احدى الوسائل المعرقلة لعملية النهوض الشاملة، وبالتالي فان التحرك الجاد لممارسة الدور الإيجابي، لمقاومة الماكنة الإعلامية المضللة، يسهم في انقاذ البيئة الاجتماعية، من الوقوع في فخ ”الملفات التافهة“، الامر الذي يساعد في وضع الأمور في النصاب السليم.

النظرة للتوافه تختلف باختلاف الثقافة السائدة، فهناك ملفات أساسية لدى بعض البيئات الاجتماعية، ولكنها لا تكتسب أهمية بالغة في مجتمعات أخرى، انطلاقا من الاختلافات الكبيرة في المستويات الثقافية السائدة، وبالتالي فان العملية مرتبطة بالعنصر الثقافي، والقدرة على التفريق بين الأمور الهامشية والملفات الكبرى، من اجل توجيه الطاقات وتسخير الإمكانيات المادية والبشرية، في سبيل التعاطي الإيجابي معها، بحيث تعود على البيئة الاجتماعية بالفائدة، وتسهم في مواصلة مشوار النماء والتقدم، بشكل مباشر او غير مباشر.

كاتب صحفي