آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

الاحتواء

محمد أحمد التاروتي *

اعتماد ثقافة الاحتواء في التعامل الخارجية، عنصر أساسي في اختراق كافة الحواجز المعنوية، فالاحتواء يرتكز على تجاوز أسباب الخلاف، ويركز على نقاط الالتقاط، الامر الذي يحدث تحولا جذريا في مستوى العلاقات الاجتماعية، خصوصا وان الممارسة الاحتوائية تسعى لتجنب ”الألغام“، التي تسعى لوضع عراقيل امام تصفية أجواء العلاقات الاجتماعية، وبالتالي فان القدرة على تجاوز الخلافات واعتماد النظرة المستقبلية ونسيان الماضي، يسهم في تفعيل ثقافة الاحتواء في الواقع الاجتماعي.

إرساء قواعد ثقافة الاحتواء مرتبطة، بالقيم الدينية، والمبادئ الأخلاقية، فالمرء الذي يتحرك باتجاه ترميم العلاقات الاجتماعية، وشبط الخلافات بشكل نهائي، ينطلق من مرتكزات عقدية ومفاهيم أخلاقية، ”وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ“، مما يجعله اكثر قدرة على التحرر من الضغوط الداخلية، والنوازع الشيطانية، وكذلك تجاوز الضغوط الاجتماعية، وبالتالي فان النظرة المستقبلية تدفع باتجاه اعتماد اللغة التصالحية، واستبعاد الثقافة التصادمية، نظرا للمفاعيل الإيجابية الكبيرة المترتبة على الثقافة الاحتوائية، على شبكة العلاقات الاجتماعية من جانب، وإرساء الاستقرار، وصفاء النفوس، وطرد التشاحن والبغضاء من جانب اخر، الامر الذي يعطي البيئة الاجتماعية مساحة واسعة للانطلاق، نتيجة وضع جميع الخلافات في الثلاجة، ومحاولة تجميدها بشكل نهائي.

الاحتواء يبرز في الكثير من الممارسات الحياتية، فهناك الكثير من المواقف الصعبة، التي تتطلب استخدام اللغة العقلانية، وضبط النفس، والابتعاد عن اللغة العدائية، خصوصا وان الضغوط النفسية تشكل تحديا كبيرا، في الدفع باتجاه استخدام ”رد الحجر من حيث اتى“، وكذلك ثقافة ”عزة النفس“، وبالتالي فان السيطرة على تلك الضغوط يخلق حالة من التصالح مع الذات أولا، والابتعاد عن توتير العلاقات الاجتماعية ثانيا، نظرا لاعتماد اللغة العقلانية في معالجة المواقف المتشنجة، التي تسبب في اخراج النفوس الضعيفة من الطور، والاقدام على ارتكاب اعمال عنيفة، مما يدفع باعتماد ردود الأفعال المضادة، الامر الذي يدخل البيئة الاجتماعية في دوامة العنف، والدخول في أزمات اجتماعية كبرى.

الطبيعة البشرية تمتلك أرضية لقبول الثقافة الاحتوائية، فالبشر يتعاملون في الغالب مع الاعمال الحسنة بمثلها، انطلاقا من المعاملة بالحسنى، ومحاولة اظهار النوايا الحسنة بشتى الطرق، وبالتالي فان ابداء النوايا الصادقة، والعمل على تقريب وجهات النظر، والتحرك باتجاه ردم فجوة الخلاف، يقابل بطريقة إيجابية في الغالب، خصوصا وان التعامل الأخلاقي يكسر الثقافة العدائية، لدى العديد من الأطراف، الامر الذي يمهد الطريق لارساء اللغة الاحتوائية، واستبعاد جميع أنواع ردود الأفعال العنيفة، مما يحدث حالة من الانسجام الاجتماعي الداخلي، ويعزز حالة الوئام، سواء على صعيد العلاقات الفردية، او في المحيط الاجتماعي العام.

امتلاك الروح الاحتوائية في ترميم الكثير من العلاقات المتوترة، يلعب دورا أساسيا في نشر هذه الثقافة في المحيط القريب أولا،، مما يساعد في نشر هذه الممارسة على الصعيد الاجتماعي ثانيا، باعتبارها اللغة الأكثر قدرة على لجم الأصوات ”العدائية“، التي تحاول الاصطياد في الماء العكر، وبالتالي فان الوقوف خلف هذه الثقافة يخلق تيارا اكثر قدرة، على التحرك وسط الألغام الساعة لتفجير الأجواء الاجتماعية، بمعنى اخر، فان وجود اللغة الاحتوائية عامل أساسي في تقليص الخلافات الاجتماعية، نظرا لوجود تيار قادر على انهاء الخصومات في مهدها، ويتحرك لمنع انتشار نيرانها في جميع الاتجاهات، مما يتسبب في احراق العلاقات الاجتماعية، ويكرس حالة العداء في النفوس.

تبقى الثقافة الاحتوائية عامل استقرار، في مستقبل العلاقات الاجتماعية، نظرا لما تمثله من قوة في ضبط إيقاع الخلافات، سواء كانت صغيرة او كبيرة، حيث تعتمد الثقافة الاحتوائية على تحجيم الخصومات، ووضعها في الاطار الطبيعي، مما يسهم في التركيز على إيجابيات تصفير الخلافات، ومثالب الخصومة، على الاطار الشخصي والاجتماعي، وبالتالي فان التحرك الجاد باتجاه تكريس الاحتواء في النفوس يساعد في تدعيم شبكة العلاقات الاجتماعية ويقلص من أسباب الخصومات على اختلافها.

كاتب صحفي