آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 3:27 م

حين يفرغ العشّ!

المهندس هلال حسن الوحيد *

في السنواتِ الأخيرة - تقريبًا - فرغ البيتُ عندي، فالصغار منهم من كبر واشتغلَ وعاشَ بعيدًا فلا يعود إلا لِمَاماً، ومن بقي مشاغل الدنيا تكاثرت عليه بعدد شعراتِ رأسه، فاعتدتُ الوحدة نوعًا ما. لكن في أواخرِ العام الماضي وفي شهرِ يناير من هذه السنة، 2021م، حظيت بصحبة الصغار لحوالي أسبوع، وكأنها كانت حلمًا سريعًا وانقضى. كانت آخرهم أصغرهم رحلت يومَ أمس فذكرتُ قصيدة عمر بهاء الدين الأميري التي كتبها بعد ما كان مع أولاده الثمانية وأسرته في مصيف، ثم سافروا جميعًا وتركوه وحده في وحدته فقال قصيدةً مطلعها:

أين الضجيجُ العذبُ والشَّغَبُ؟
أين التَّدارسُ شابَهُ اللعبُ؟

أين الطفولة في توقُّدها؟
أين الدُّمى، في الأرضِ، والكتبُ؟

في مرحلةٍ من العمر عندما نكبر - أنا وأنتم - نصبح أرقّ مما نعرف عن أنفسنا. فهؤلاء الصغار الذين كنا نتمنى أن يصمتوا ونرتاح من صخبهم، الآن راحتنا في سماعِ صرخاتهم وعراكهم فلا نجدها. وفي هذه المرحلة نكتشف أن المساحات والغرف المتعددة في منزلنا ليست أفضل. وندرك أن صغر المكان يخلق بين الأبناءِ قلوبًا أوسع تحمل أجمل الذكريات. وفي هذه المرحلة لابد أن يتحول شعور الأبناء بالرحمة إلى استذكار ماضي الآباء والأمهات، كيف كانوا يتعبَون ليرتاح الأبناء، ويسهرَون ليناموا، ويضحّون بحياتِهم كلها من أجل أن تكبر أجسام وعقول أبنائهم. وليتذكروا كيف احتضنهم آبائهم وأمهاتهم بالعطفِ والحنان. وأن يضم الأبناء هذين الأبوين إلى أجنحتهم كما كانا يفعلان بهم يوم كانوا صغارا.

لمن أولاده معه: استمتعوا بهم واحضنوهم ما استطعتم قبل أن يكبروا ويرحلوا هم أو أنتم. ولا تعجبوا أن كان في الدنيا اليوم آباء وأمهات كثر لا يرون أبنائهم ولا يسمعون أصواتهم لسنوات، عقوقًا وعصيانًا. ومن الآباء أيضًا الكثير ممن ينفر أبنائه ويبعدهم منه، مع أنه من كرم الله أن قرَّب البعيد اليوم فلا أب لا يمكنه أن يسمع صوت الأبناء أو لا يرى صورهم.

وثقوا لحظاتِ اللقاء قدر ما استطعتم، فهم سوف يستعيدونَها يومَ لا يجدونَكم ويقولون: رحمَ اللهُ أبانا وأمّنا ثم يكونون مثلكم لأبنائهم أيضا، وفي الدنيا اطمأنوا فكل غائبٍ من الأحياءِ يعود. حينها مرحى بالصغار وأهلاً وسهلاً بهم، وإن صدعوا رؤوسنا وإن قلبوا حياتنا كلها رأسًا على عقب، لا بأس!

مستشار أعلى هندسة بترول