آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

يا ملقى الفرح يا سدرة اسنين!

ثمةَ ماضٍ يذكرني به فصلُ الشتاء - في مثل هذه الأيام - عندما أمر بباعة النَّبْق، الكبير الحجم، من ثمار السدر المستجدة التي أزاحت شجرةَ السدر القديمة. تزاوجت السدرتان فتطامنت القديمةُ للجديدة جِذعًا ترتقي عليه أغصانها وتأخذ منها علوَّها، طبعٌ لن تراه بين ضرائرِ النساء بكلِّ تأكيد!

اختفى تقريبا نبقُ السدر البلدي، أما الجديد والكبير فسعره أغلى من معظم سعر الفواكه. طوبى له ولزارعيه، فهو يستحق كلَّ ما يدفع له. لكل نوعٍ طلابه، فليس كل جديد سيء ولا كل قديم يستحق أن ينفى. فها نحن في كلِّ زمان نستورد الأفكارَ والمنتجات.

هذا التزاوج بين أشجار السدر يشبه زواج البشر المختلط بين الأغراب والأجناس، فإما صراع وتضاد يعطي الكوارث أو تكامل ووئام ينتج الخير الكثير. ولازم نجاح هذا التزواج أن يكون له أساس قوي من الاحترامِ والحوار والقواسم الحضارية والدينية، وإلا مات. شخصان من بيئتين وحضارتين وبلدين مختلفين، يتزوجان ويؤسسان عائلةً مستقرة، لابد أن تكون هنالك تحديات جمَّة!

لا أفتأ أكتب عن شجرة السدر - القديمة - مرةً كلَّ سنة فهي التي كان عندها منتهى ومأوى كل أحلامنا من الثمر والظلال. شجرة كلما قطعناها استطالت وشمخت بأغصانها علوًّا وارتفاعا، فإذا أبقينا غصنين فقط عادت وارتفعت امتارًا في الهواء. أمسكَت هذه الشجرة السامقة والدائمة الخضرة بتلابيبِ الخيال ونَسَج فوقها أهلُ بلادنا وغيرهم قصصًا قد لا يصدقها الناس. شجرةٌ إن كان الماءُ حلوًا أم مالح، فثمارها حلوة، وإن كان الماء كثيرًا أم قليلًا، فثمرها كثير. ولأنها تنشر الظل والخضرة أيضًا، استبقيتُ واحدةً منها وأكرمتها فهي لطالما ذكرتنا بأيام الصبا. يوم كانت اشجار السدر تزين محيطات البساتين، وتحميها بشوكها من تطفل العابثين.

ازرعوا واحدة من أي صنف أحببتم. أنتم تأكلون ثمارها وتتفيئون ظلالها وتجلسون حولها. النحل يصنع من ثمارها العسل وطيور القمري تجتمع فوقها، ثم تبقى من بعدكم لأحفادكم يذكرونكم بها. من لا يرغب في شجرة السدر البلدي، هناك أصناف جميلة من شجر السدر لا تحتاج زراعتها لمساحات كبيرة وشوكها أقل حدةً من شوك السدر البلدي.

مستشار أعلى هندسة بترول