آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:19 م

الاخر

محمد أحمد التاروتي *

تختلف النظرة للاخر وفقا للمنظومة الثقافية والقيم الأخلاقية، فتارة تكون الوصاية السمة الحاكمة في العلاقات، وتارة أخرى تسيطر الندية والتوازن في العلاقات القائمة على المستوى الشخصي او الاجتماعي، وبالتالي فان مستوى العلاقة مع الاخر تحددها طريقة التفكير، والاليات المتبعة للتعاطي معه، مما ينعكس على توطيدها بشكل كامل، او قطعها بعد برهة زمنية، خصوصا وان الفوقية تولد تداعيات متباينة، مما يهدد مستقبل العلاقات الاجتماعية، نظرا لوجود اختلافات في طريقة تقبل ”الوصاية“، لدى الكثير من الشرائح الاجتماعية، مما يجعل العلاقة في مهب الريح.

سيطرة الوصاية في العلاقات الاجتماعية، مرتبطة بالكثير من العناصر بعضها ذات علاقة بالتفكير الشخصية، والبعض الاخر مرتبط بالثقافة الاجتماعية السائدة، لاسيما وان المنظومة الأخلاقية تلعب دورا أساسيا، في توجيه العلاقات في الاتجاهات المختلفة، فاذا كانت استغلالية وانتهازية، فانها تحاول استخدام بعض الصلاحيات في تكريس الوصاية، في العلاقات الاجتماعية مع الاخر، فيما ستكون الندية واحترام الاستقلالية وتفهم القرارات الخاصة الطاغية في العلاقة مع الاخر، وذلك تبعا لسيطرة القيم الأخلاقية الفاضلة على طبيعة التفكير، وبالتالي فان عملية تحديد مسارات العلاقات الاجتماعية ليست ذات مسار واحد، بقدر ما تتعدد باختلاف التفكير في التعاطي مع الاخر.

نجاح الوصاية في العلاقة مع الاخر، مرتبط بالقبول بالدرجة الأولى، فالرفض ينسف جميع المحاولات الساعية، لبسط النفوذ والهيمنة على الاخر، فيما الأوضاع تتجه لمزيد من الاذلال بمجرد السكوت، وتقبل مصادرة الشخصية، وبالتالي فان عملية الوصاية قائمة على طرفي العلاقة، فالرغبة الجامحة لدى احد الأطراف لاستخدام الوصاية، ليست كافية للوصول الى المراد، بدون تقبل الطرف الاخر للوضع غير الطبيعي، فالكثير من محاولات الوصاية تسقط في البداية، بعد المقاومة الشديدة من لدن الأطراف المستهدفة، فيما وجدت العديد من المحاولات طريقها للنجاح، جراء انعدام الرغبة في الرفض، والموافقة على فقدان الاستقلالية وحرية القرار.

تقييم العلاقة مع الاخر عملية أساسية، لوضع الأمور في النصاب السليم، خصوصا وان المراجعة المستمرة لطبيعة العلاقة، تحدد المسارات الصحيحة، وتسهم في تصحيح الأخطاء الناجمة، عن الممارسات الخاطئة، لاسيما وان البعض بحاجة الى التذكير الدائم بضرورة خلق الأجواء القائمة على الندية في العلاقات، من اجل استمراريتها وعدم تعريضها للتدهور، خصوصا وان البعض يجد نفسه مدفوعا لممارسة الوصاية دون رغبة مسبقة، مما يستدعي التحرك السريع لتقويم العلاقات، تفاديا لدخولها في مسار القطيعة، فيما البعض الاخر يرفض العلاقات ”الندية“ انطلاقا من قناعات ذاتية، تطلق من مبدأ تسخير الاخر، وعدم فتح المجال امامه للتعبير عن ذاته بكل حرية، الامر الذي يستدعي التحرك، لوضع هذه النوعية في وضعها الطبيعي، تفاديا لتخريب العلاقات الاجتماعية وتعريض البيئة الاجتماعية للتلوث.

ثقافة الوصاية تسيطر على بعض الفئات الاجتماعية، نتيجة البيئة الداخلية والمحيطة الذي تعيش فيه، وكذلك بسبب الصلاحيات الممنوحة، سواء نتيجة امتلاك بعض الثروة، او تسنم بعض المناصب القيادية، مما يسهم في تضخيم السطوة، ومحاولة الهيمنة على الاخر، الامر الذي يتجلى في الكثير من الممارسات الحياتية، والقرارات المختلفة، وبالتالي فان إعادة الأمور للنصاب مرتبط ببرمجة المنظومة الأخلاقية، بما يزيل هذه الثقافة من الممارسات اليومية، مما يسهم في تصحيح طبيعة العلاقة مع الاخر، خصوصا وان استمرارية ثقافة الوصاية في تفكير بعض الفئات الاجتماعية، يؤثر على الكثير من الفئات الاجتماعية، مما يقود الى جعلها ممارسة يومية، بحيث تصبح ”الوصاية“ جزءا من التفكير العقل الجمعي.

الاعتراف باستقلالية الاخر، وقدرته على تحديد مساراته، واتخاذه القرارات الصائبة، عناصر أساسية لتأسيس قواعد أخلاقية في العلاقات الاجتماعية، فالبعض غير قادر على استيعاب الاستقلالية في القرارات، مما يدفعه لممارسة الوصاية في جميع الأمور الحياتية، بحيث تدخل الوصاية أحيانا في الشؤون الخاصة، ولا تقتصر على بعض الأمور العامة.

كاتب صحفي