آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 7:26 م

الصغائر

محمد أحمد التاروتي *

يكمن الفرق بين الأشخاص في طريقة التعاطي مع الملفات والقضايا، فهناك شريحة لا تلقي بالا لصغائر الأمور على الاطلاق، فالاهتمامات تكون على الملفات الكبرى، باعتبارها الأكثر قدرة على الارتقاء الى القمة، على الصعيد الشخصي وفي البيئة الاجتماعية، فالافراد الذي يتعاملون مع أمهات الملفات يجدون التقدير والاحترام على الدوام، نظرا للفرق الشاسع مع بعض الشرائح ذات التفكير الضيق والاهتمامات الهامشية، فيما توجد فئات ليست قادرة على توسيع الافاق، وتجاوز الاطار الضيق، مما يجحم دورها في الاهتمام بصغائر الأمور، لذا فانها تتحرك على الهوامش ولا تجد نفسها خارج الاطار الذي حددته، سواء بسبب محدودة التفكير او انعدام القدرة على اختراق الحاجز النفسي، للانخراط في معالجة الملفات الكبرى.

الاقتناع بالدور المحدود والهامشي، يمثل احد العوامل الأساسية وراء اللهث خلف القضايا الصغيرة، انطلاقا من شعارات خادعة أحيانا، وغير فاعلة أحيانا أخرى، فهذه الفئة تتخذ من شعار ”لو تجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش“، مما يدفعها لمحاولة الاختباء وراء هذه القناعات، او الثقافة ”المتكاسلة“، من اجل إرضاء الذات، ومحاولة اسكات الطموح المحفز للانطلاق بقوة، ومجابهة تحديات الحياة، خصوصا وان عملية الارتقاء والصعود، واحتلال مكانة مرموقة في البيئة الاجتماعية، تتطلب الكثير من العمل والقدرة على الصمود، في مواجهة الكثير من التيارات الاجتماعية الجارفة.

التعاطي مع الصغائر مرتبط أحيانا بالوسط القريب، حيث تلعب الثقافة السائدة في البيئة الاجتماعية، عنصرا أساسيا في تحطيم الطموحات العالية، من خلال ترسيخ مفاهيم مغلوطة عبر ترديد شعارات ”انهزامية“، الامر الذي ينعكس على طريقة التفكير بشكل عامل، فهناك الكثير من البيئات الاجتماعية، غير قادرة على الخروج من الدائرة المرسومة، من خلال رسم مسارات خاصة ومحاربة كل ”عنصر“، يحاول تحطيم تلك الحواجز المرسومة، سواء بطريقة مباشرة او بطريقة غير مباشرة، انطلاقا من مخاوف ”وهمية“، واحيانا انطلاقا من خشية الفشل وعدم النجاح، مما يدفع لانتهاج سياسة ”الهروب للامام“، وعدم اتخاذ مبدأ التحدي، والانخراط الكامل في معالجة الواقع، بما يحمله من قضايا كبرى وصغرى.

تكريس النظرة الطموحة في النفوس، عامل فاعل في تجاوز الضغوط الاجتماعية، وعدم الالتفات الى ”الصيحات“ السلبية، التي تخرج من كافة الاتجاهات، لاسيما وان الطموح والايمان الكامل بالنجاح، عنصر أساسي في الانطلاق باتجاه القمة، فيما الاستجابة للضغوط الاجتماعية، والاستسلام للمخاوف الخارجية والداخلية، يعرقل حركة النجاح ويحد من الحركة في معالجة القضايا، بطريقة احترافية وإرادة قوية، لتجاوز الصعاب على اختلافها المادية والمعنوية.

الاهتمام بالصغائر يكشف طبيعة التفكير من جانب، ويعطي إشارات واضحة على طريقة التفاعل مع الملفات السائدة من جانب اخر، فالاهتمام بالصغائر لا يقدم شيئا للبعض، بقدر ما يستنزف الكثير من الجهد، دون الحصول على الثمرة المطلوبة، لاسيما وان الهوامش ليست قادرة على ابراز القدرات الكبيرة لدى الافراد، بخلاف معالجة القضايا الكبرى، فهي بحاجة الى الكثير من الجهد، وابتكار الحلول المناسبة، نظرا لنوعية التعقيدات التي تمتاز بها، الامر الذي ينعكس على النفوذ الاجتماعي، فاصحاب الصغائر يفضلون الجلوس في المقاعد الخلفية، والاقتناع بالفتات، فيما فريق الملفات الكبرى يجد التقدير الكبير، نظرا لما يمتاز به من قدرة، وإمكانيات استثنائية، مما يعزز دوره في البيئة الاجتماعية، وقطف ثمار الجهود الكبيرة المبذولة، في سبيل تحقيق الطموحات الذاتية أولا، والانخراط المباشر في معالجة القضايا ذات الأثر المباشر على المسيرة الاجتماعية ثانيا.

الصغائر لا تعني الابتعاد عن معالجة المشاكل الذاتية اليومية، بقدر ما تعني عدم إضاعة الوقت، والانشغال بها، خصوصا وان الانغماس الكامل في الصغائر يحجب الرؤية، عن مشاهدة المشهد الكامل، مما يعطل التفكير، ويحدث خللا مباشرا في التفاعل الإيجابي، مع القضايا ذات الاهتمام المشترك، وبالتالي فان الصغائر تسهم في تشويش الفكر، وتعطل الطموحات الكبرى، من خلال قلب المفاهيم عبر وضع الصغائر في المقدمة، وجعل الملفات الكبرى في المؤخرة.

كاتب صحفي