آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

الصداقة مع الأبناء وتوجيههم

ورد عن أمير المؤمنين : خيرُ ما ورّث الآباءُ الأبناءَ الأدبُ»[1] 

يستعير أمير المؤمنين مفهوم الميراث والذي يتبادر للأذهان بأنه ما يخلفه الآباء والأمهات لأولادهم من أموال وعقارات وممتلكات؛ ليسبغ عليها مفهوما أهم من ذلك لما له من تأثير كبير في مسار شخصية الأبناء، فقد يكون بعض الآباء من ذوي الدخل المحدود الذين بالكاد ما يوفرون لأبنائهم في حياتهم مستلزمات الحياة الكريمة، فهؤلاء من الناحية المادية قد لا يخلفون لأبنائهم شيئا من متاع الدنيا، ولكن بعضهم لم يقصر في تربية وتنشئة أولاده على القيم الأخلاقية والآداب الاجتماعية، فهؤلاء حقا أعطوا أبناءهم ثروات طائلة من المعارف وآليات تهذيب النفس بالأخلاق الحميدة والتعامل الحسن مع الناس، فالميراث الحقيقي الذي لا يقدر بثمن هو الاهتمام بالنشء من خلال تزويدهم بالتوجيهات والإرشادات التي تأخذ بأيديهم نحو تكامل النفس بالآداب، فكما يعينه الوالدان في تعلم الحركة ونطق الحروف والكلمات بشكل صحيح، فإنه بأمس الحاجة والافتقار لاكتساب القيم النظرية والتطبيقية وخبرات الحياة، فإن إغداق المشاعر الجياشة على وجدان الطفل لبحاط بالأمان والدفء العاطفي من أهم وظائف الأسرة، فإنه كذلك بحاجة لتلك القيم التي تعينه في دروب الحياة وتعامله مع الآخرين، وهذا الاهتمام التوجيهي لبناء شخصية أبنائنا وفق منظومة من القيم والسلوكيات هو أهم الأدوار والخدمات التي تقدم جيلا فاعلا ومساهما في تنمية المجتمع.

كما أن هذه التربية والتعاليم هي أهم ما يحتاجه الطفل لينطلق في ميادين الحياة بروح مفعمة بالطموح والآمال التي يسعى لتحقيقها، وهذا ما أشار له أمير المؤمنين بالتأكيد على الدور الأسري في تربية الأبناء، فمن حرم أبناءه من توجيهاته نحو الحق والفضيلة فهو من حرمهم من الميراث الحقيقي.

الطفل السوي في سلوكه يحتاج إلى معرفة أهم مباديء العلاقات الاجتماعية والتي تقوم على المحافظة على الواجبات وحقوق الآحرين، وهذا ما يسانده على التنظيم في حياته والتفكير المسبق في كل ما يقدم عليه، فإذا أردنا أن نحصل على ذلك الطالب المثابر في دراسته ويبذل من وقته ما يطمح به للحصول على أعلى الدرجات، وذلك الموظف الذي يبذل كل جهده في سبيل خدمة أصحاب المعاملات بكل أمانة وجد، فذلك يعتمد على الأساس الذي بنينا عليه شخصية الطفل والآداب التي تلقاها.

ومن أهم أساليب التربية السليمة والمنتجة هي التربية بالحب، حيث يستشعر الطفل ذلك الحنان والاهتمام والرعاية الذي يحيطه بالامان والدفء الأسري، فتلك الأسر التي تعج بمختلف المشاكل والمشاحنات والخلافات بلا شك أنها ستلقي بظلالها الثقيلة والمؤلمة على أبنائها، ويسلبهم ذلك من الإحساس بالأمان ويؤثر على شخصياتهم وسلوكياتهم المتسمة بالضعف والتردد، أو الاتجاه إلى خارج البيت والانجرار خلف الطرق الإجرامية المختلفة، فتكون تصرفات الوالدين وانفعالهما الشديد تجاه سلوك أبنائهم مدعاة لتنفيرهم من أجواء ذلك البيت الساخن والبحث عن الأمن والدفء العاطفي المفقود خارجه، وهذا ما عبرت عنه الروايات الشريفة بعقوق الآباء لأبنائهم من خلال تركهم بدون توجيه أو التعامل العنيف معهم، مما يحولهم إلى كتل من الكراهية تجاه أسرهم ومجتمعهم.

وكم من الأسر تبذل مجهودات كبيرة تجاه تربية أبنائهم وتهذيب سلوكياتهم، ويفرغون من أوقاتهم ليجلسوا معهم فيسمعون لما يجيش في نفوسهم أو ما يهمسون به من معاناتهم، كما أن الوالدين يشكلان مصدر الزاد المعرفي والثقافي لهم، وخصوصا إذا استمعوا لها من خلال القصص والحوارات الهادفة، فالشعور بالسور العاطفي للأسرة يدعم ثقة الأبناء بأنفسهم ويحثهم على المثابرة والإنجاز، فالصداقة مع الأبناء تقربنا من عالمهم الصغير وفهمه، والتوجيهات والإرشادات تأخذ بعدها وتأثيرها حينما نتفهم آمالهم وتطلعاتهم والصعوبات التي يعانون منها ونصغي لهم، ففي مثل الأجواء الأسرية الجميلة ينطلق الأبناء لتوجيه الأسئلة عما يجهلونه أو يسمعون عنه أو يشاهدونه في التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي تعج بالكثير من المؤثرات السلبية ومقاطع العنف والإسفاف المضر بطريقة تفكيرهم في مواجهة التحديات.

[1] «عيون الحكم والمواعظ ص 240».