آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:12 م

معطيات البعثة النبوية

قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴿الجمعة الآية 2.

تشكل البعثة النبوية لونا من الألطاف والرحمة الإلهية بعباده لتوجيههم وإرشادهم نحو الهدى والحق، وذلك أن الله تعالى زود الإنسان بما يشكل قبس نور في دياجير الجهالة ألا وهو العقل، فهذه القوة المفكرة تعينه في وزن الأمور وإبداء النظرة السليمة فيما يواجهه من مواقف وأفكار وسلوكيات مختلفة، فيعرضها على هذا المجهر الدقيق ليستخلص له النظرة الوازنة.

فالمرء على بينة من أمره وعلى طريق المعرفة بمفردات الخير والشر ووسائلهما وآلياتهما، فهذه النعمة الإلهية الكبرى وهي العقل تنير له دروب الحياة متى ما جعل دفة مركبه في الحياة خاضعة لقيادته بعيدا عن الأهواء والشهوات المتفلتة، وأهم مسائل الإيمان هي قضية التوحيد والإيمان بالخالق العظيم لهي من البدهيات التي ترسخ في الأذهان من أول وهلة لتصورها، وأما تلك الشبهات الإلحادية والوثنية وغيرها فهي نتاج التلبس والالتفاف على الحقائق الواضحة.

فأي عقل لا يبصر حقيقة حركة هذا الكون الجوهرية وما وراءها من قوة حكيمة مؤثرة بنظام لا يمكن أن تنسب للصدفة أو المخلوقات «دليل نظام الكون»، ومع ذلك يأتينا هذا اللطف الإلهي الآخر بعد العقل ألا وهو بعثة الأنبياء ، والتي تشكل رافدا آخر ومؤكدا على مسألة التوحيد، وهذا القرآن الكريم - أعظم معجزة نبوية - تصدح آياته الكريمة باستعراض الأدلة العقلية على وجود الخالق المؤثر وتخضع كلها تحت دائرة نظام الكون، وهذه هي المهمة الأولى التي عمل النبي الأكرم على إرسائها بمحاربة كافة أشكال الشرك والكفر بآيات الله تعالى وتحطيم الصنمية من النفوس.

وقد كانت طريقته الدعوية ﷺ من أهم طرق تربية النفوس وتهذيبها من الشرك والرذائل الأخلاقية، فذاك الخلق الرفيع القائم على الشفقة والرحمة بالناس وتبسيط الأمور لعقولهم التي امتلكها النبي الأكرم ﷺ كانت العامل الأهم في دخول الناس في دين الله أفواجا، فشخصية النبي الأكرم ﷺ في جوهرها تجسيد لكل معاني الجمال الروحي والأخلاقي والمعرفي، فسر تلك الجاذبية الخاصة له ﷺ في قلوب الناس هي منظومة مكارم الأخلاق والتعامل الحسن معهم والكلمات الرقيقة النابعة من صفاء قلبه.

البعثة النبوية كانت الرحمة المهداة للعباد من خلال مهمة التبليغ والدعوة لرسالة التوحيد ومكارم الأخلاق التي كانت أكثر مفرداتها غائبة عن قاموس سلوكياتهم وتصرفاتهم، والتي عنونت الآية الكريمة فترة الجلهلية بأنها فترة ضلال مبين على جميع المستويات العقائدية والأخلاقية والاجتماعية.

فاستطاع الرسول الأكرم ﷺ أن ينتشلهم من وحل الجاهلية ورذائل الأخلاق إلى نور الإيمان والقيم التربوية والتهذيبية، واختفت تحكمات الأهواء والعصبيات التي نشرت بينهم روح التخلف والأنانية والعنصرية والاستبداد وانتشار الرذيلة، فعلا شأنهم بتحكيم العقول المستنيرة بالوعي والرشد والنظر الوازن للأمور والبصيرة بعواقب الأمور، مما أورثهم العزة والكرامة والاستقامة وحلل الإيمان والتقوى.