آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

أبو فلانة - سلسلة خواطر متقاعد

المهندس هلال حسن الوحيد *

كان من عادة بني إسرائيل المشينة مناداة النبيّ موسى باسمه فقط: يا ”موسى“، فلا تراهم مرّة واحدة يخاطبونَه ويدعونه برسولِ الله أو نبي الله أو كليم الله. عادة سيّئة لأن الاسم الحافّ جافّ، يشبه الطّعام اليابس لا زيتَ ولا سمن معه. هل تصدق أنهم - بنوا إسرائيل - يخاطبون موسى : ادْعُ لَنَا رَبَّكَ، إمعانًا في العناد، وكأن ربّ موسى ليس ربًّا لهم أيضًا؟!

من أجمل أساليب الاحترام الكنية باسم الولد أو البنت، وإن لم أعرفه وهو أكبر مني أسمّيه عمّي، وأكبر مني أسمّيها خالتي. فعلًا، ألقاب رقيقة وفخمة ومحترمة يرتاح لها كل الناس، في الشرق والغرب. فها هم في الغرب أيضًا ينادون غيرهم بالسيّد أو السيّدة أو الآنسة، وإن عرفوا الاسم الحقيقي، لأنّ هذه الألقاب والصّفات تضيف تفخيمًا وإجلالًا لمن يُخاطبون بها. أبي وأمّي لمن هو أكبر منّي، أيضًا عنوان ودليل احترام، تفخيمًا لشأن المُنادى أن يُذكر اسمُهُ مجرَّدًا.

من قبل الرسول محمّد صلّى الله عليه وآله ما كان العرب يُكنون بأسماءِ البنات، ولا يزال حتى الوقت القريب الكثير منا يتحاشى مناداة الرجل باسم ابنته الكبرى، وكأنّ ذلك من العيب، فلابدّ أن تكون كنيته ”أبو فلان“ وحرامٌ على البنتِ الكبرى أن ينادى بها أبوها ”أبو فلانة“! ثم بعدما جاء النبيّ محمد ﷺ، صار واحدٌ من ألقابه وكناه الجميلة ”أبا الزهراء“. وبصراحة، في أسماءِ وأفعال البنات ما يرفع الرأس، ويجعل آباءهنّ وأمهاتهنّ يفخرون بأن يدعوا ”أبو فلانة“ و”أم فلانة“. وفي كلّ الأحوال، كلاهما - الولد والبنت - من أفضل هباتِ الله ومن أروعِ نِعمه.

حقًّا، من لطافةِ الدّين الإسلامي، جماله في كلّ شيء وإصراره على التقدير والاحترام، فهل تصدق استحباب وضع الكنية للولد في صغره، وفي يوم مولده؟ واختيار الكبير لنفسه كنية، وإن لم يكن له ولد؟! هذه المبالغة والحفاوة في التكريم لم يعتدها غيرُ المسلمين، فعندما كنّا ننادي بعض الأصدقاء الغربيين بأسماء أبنائهم أو بناتهم، كانوا يستغربون الأمر بادئَ ذي بَدء، ثم يرتاحون لهذه العادة الجميلة. ولعلّهم - الغربيّون - أقل حساسيّةً من المجتمعات العربيّة في التعريف بأسماء بناتهم وزوجاتهم، ولا يتحرّجون من ذكر أسمائهن.

مستشار أعلى هندسة بترول