آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

العلاج بالموسيقى

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

يحتفل الموسيقيون العرب هذه الأيام باليوم العربي للموسيقى الذي يوافق 28 مارس من كل سنة، منذ عام 1932 بمناسبة انعقاد أول مؤتمر للموسيقى العربية في القاهرة. التاريخ العربي يزخر بالتراث الموسيقي منذ القرن العاشر الميلادي حيث أسس الفارابي قواعد الموسيقى في كثير من مؤلفاته مثل «الموسيقى الكبير»، و«في إحصاء الإيقاع».

وانطلقت الموسيقى العربية من مقام النهاوند إلى الموشحات الأندلسية، ثم لعبت فيها أوتار العود والعزف على الناي، حتى تبلورت مع الزمن، وأصبحت تُعرف بالموسيقى العربية التي تعد اليوم ركنًا أساسيًّا في الهوية العربية وفي الثقافة الإنسانية بشكل عام. مجتمعاتنا العربية مازالت تنظر للموسيقى بازدراء كبير، إذا استحضرت هذه الكلمة بحد ذاتها، تسقط عليها يعض المفردات من قبيل «الخفة والميوعة» وغيرها من العبارات التسطيحية.

الموسيقى الحقيقية ليست مجرد أنغام، بل وسيلة تواصل لارتقاء ذهن وروح الإنسان. هي وسيلة فاعلة اجتماعية وتربوية تسهم في تعزيز التسامح مع النفس، وإدخال البهجة لنفوس الآخرين، وتجميل العالم من حولنا. إضافة إلى أنها تسهم في التبادل الثقافي الحضاري وتقارب بين المجتمعات.

وقد أثبتت تجارب علمية أن الموسيقى الكلاسيكية تزيد من إنتاج الحليب عند الأبقار، النباتات والأزهار تتجاوب إيجابيا مع هذا النوع من الموسيقى، ويعتبر كثير من الخبراء في العالم أن الموسيقى الكلاسيكية أرقى قطعة فنية أنتجها العقل البشري، ولم يطلق عليها صفة «العالمية» جزافاً.

مع التطور أصبحت الموسيقى تستخدم لصحة الإنسان النفسية والجسدية، واتخذها الإنجليز في 1945 مساعدًا لعلاج الجنود نفسياً بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، في مراكز خاصة تمزج بين الآلات الموسيقية والأصوات الغنائية، مما يساعد على شفاء بعض المصابين من آثار الحرب، النفسية. هناك دراسات سريرية عن موسيقى موزارت أثبتت أن لها تأثيرًا إيجابيًا في الأشخاص المكتئبين، تساعدهم على التعافي وتخفف من آلامهم. وكشفت دراسات حديثة أن أدمغة مرضى الصرع تظهر ردود أفعال مختلفة عند سماع الموسيقى، بشكل مختلف عن أدمغة الناس، دون هذا الاضطراب وهذا ما أكدته جمعية علم النفس الأمريكية «APA»، وأن الموسيقى الكلاسيكية وموسيقى الجاز يمكن أن تستخدم في مساعدة الأشخاص الذين يعانون من الصرع وتعزز وظائف المخ، خصوصًا في الفص الصدغي، وتعمل على تنظيم حركة المخ، وبالتالي تقلل من فرص الإصابة بنوبة صرع. هناك فوائد عديدة لا مجال لحصرها في هذه الزاوية.

أما عندنا فما زال مفهوم الموسيقى يتأرجح بين التطرف والوسطية، فعندما تسأل أحدهم عن الموسيقى سيثبت لك وسطيته بالأدلة القاطعة وبأنها من المحرمات، وأن من يجيزها هو المتطرف، وعندما تسأل آخر يجيز الموسيقى سيبرهن لك بأدلته أنها من المباحات وأن من يحرمها هو المتطرف، وهناك من يعبر عن وسطيته بأنه يستمع للموسيقى ولا يشتريها، فمن يستمع للموسيقى في نظره ليس متطرفًا، ولكن من يشتريها يعد متطرفًا.

إذاً لكل منا تقييمه الخاص به من خلال اجتهادات علمائه ومراجعه التي يستند إليها، وهنا تضيع الوسطية وسط تزاحم الوسطيات الأخرى. أخيرًا، ليس لدينا مراكز علاجية بهذا الاختصاص، لأننا بعيدين عن هذه الثقافة، لا يوجد من يهتم بالعلاج بالموسيقى، ونأمل مستقبلاً وجود مراكز متخصصة للعلاج بالموسيقى بالمملكة.