آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

لا تفوتكم، هديَّة ولا أجمل منها في رمضان - سلسلة خواطر متقاعد

أيام زمان، كان الأب يأخذ ولده إلى المدرسة ليس من أجلِ أن يكونَ طبيبًا أو مهندسًا أو كاتبًا وأديبًا، بل فقط ليتعلَّم القراءةَ والكتابة ”ويفكّ الخط“. وكان من أجملِ وصاياهم: يا ولدي إذا عرفتَ أن تقرأ القرآن، ومتُّ قبلكَ فاقرأ لي ختمة. يعني أن يقرأ الولدُ لروحِ أبيه الثلاثينَ جزءاً من القرآن كلَّها.

بعض من تعلموا في القديم، كانوا - فقط - يستطيعون قراءةَ القرآن بالرسم، دون أن يستطيعوا الكتابة، ومن ترقى منهم تعلَّم مبادئَ الكتابة والخطّ والحساب. فكان جُلّ نصيبهم قراءة القرآن إما حاضرًا، أو حفظًا عن ظهرِ غيب. وبالفعل لم يقصر الأبناء في تلبيةِ هذا الطلب وأكثر، ولم ينسوا والديهم من قراءةِ القرآن والدَّعاء والصَّلاة، وعلى الخصوص في ليالي وأيَّام شهر رمضان المبارك.

في الوقتِ الحاضر، كلنا نتخرج ونعمل أطبَّاءَ ومهندسين وأدباء، نقرأ ونكتب بطلاقة وبعدة لغات، والقليل منا يلبِّي هذا النِّداء، إذ في الغالب نحن - ذكورًا وإناثًا - مشغولون بحياتنا وروتينها وضغطها اليومي. أو فقط غابَ عنَّا الأبُ تحتَ التّراب ونسيناه وغابت الأمُّ ونسيناها!

يحل ضيفًا علينا شهرُ رمضان بعد أيَّامٍ قليلة، ومن أجملِ الأفعال أن يتذكر من يعرف القراءةَ والكتابة من يتمنَّى أن يكونَ فوق ظهرِ الأرض ويقرأ القرآنَ بنفسه. والأب والأم، لا يستطيعان قراءةَ القرآن لأنَّ أيامهما بين الأحياءِ انتهت، وهما الآن يناديان في قبريهما: يا طبيب ويا مهندس ويا طبيبة ويا مهندسة، نحن من أخَذناكم المدارس وعلَّمناكم، وأَوصلناكم إلى مراتبَ جيِّدة، فاذكرونا ولو بختمةٍ واحدة. وإذا كان في إمكانكم أن تتصدقوا وتصلّوا عنَّا فهذا زيادة في الخير.

هذه ”الختمة“ أجمل من أي هديَّة يمكننا أن نهديها لأجمل شخصين أحبَّانا في حياتهما وربَّما يشفعان لنا بسبب هذه الهديَّة القيِّمة يومَ القيامة، يوم نكون في أشدّ الحاجة لرضاهما عنَّا. وربَّ سائلٍ يسأل: أين والديّ؟ ولماذا عليَّ أن اقرأ القرآنَ لهما؟ فهذا مقتطفٌ حزينٌ من جوابِ الإمام علي بن أبي طالب عليه السَّلام على هذا السؤال:

”ذَهَبُوا فِي الْأَرْضِ ضُلاَّلاً، وَذَهَبْتُمْ فِي أَعْقَابِهِمْ جُهَّالاً، تَطَأُونَ فِي هَامِهِمْ، وَتَسْتَنْبِتُونَ فِي أَجْسَادِهِمْ، وَتَرْتَعُونَ فِيَما لَفَظُوا، وَتَسْكُنُونَ فِيَما خَرَّبُوا، وَإِنَّمَا الْأَيَّامُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ بَوَاكٍ وَنَوَائِحُ عَلَيْكُمْ. أُولئِكُمْ سَلَفُ غَايَتِكُمْ، وَفُرَّاطُ مَنَاهِلِكُمْ، الَّذِينَ كَانتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزِّ، وَحَلَبَاتُ الْفَخْرِ، مُلُوكاً وَسُوَقاً، سَلَكُوا فِي بُطُونِ الْبَرْزَخِ سَبِيلاً سُلِّطَتِ الْأَرْضُ عَلَيْهِمْ فِيهِ، فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ، وَشَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَأَصْبَحُوا فِي فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لاَ يَنْمُونَ، وَضِماراً لاَ يُوجَدُونَ، لاَ يُفْزِعُهُمْ وُروُدُ الْأَهْوَالِ، وَلاَ يَحْزُنُهُمْ تَنَكُّرُ الْأَحْوَالِ، وَلاَ يَحْفِلُونَ بِالرَّوَاجِفِ، وَلاَ يَأْذَنُونَ لِلْقَوَاصِفِ، غُيَّباً لاَ يُنْتَظَرُونَ، وَشُهُوداً لاَ يَحْضُرونَ، وَإِنَّمَا كَانُوا جَمِيعاً فَتَشَتَّتُوا، وَآلاَفاً فافْتَرَقُوا“.

مستشار أعلى هندسة بترول