آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

ادمان المشاكل

محمد أحمد التاروتي *

المشاكل تمثل الخبز اليومي والمائدة الدسمة، لدى بعض الفئات الاجتماعية، فهذه الشريحة لا تستطيع العيش بدون اثارة الخلافات، والدخول في الصراعات مع القريب والبعيد، فاختلاق المشاكل يساعد تحقيق بعض المكاسب الشخصية، حيث تعتبر الصراعات الرئة الذي تتنفس من خلالها، وبالتالي فان الدخول في السلام وتصفير المشاكل يفقدها البريق، والوهج الذي تحظى به، لاسيما وان ثقافة الوئام وتعزيز السلم الأهلي، لا تجد قبولا لدى هذه الفئة الاجتماعية، الامر الذي يدفعها لمحاولة افتعال الخصومات، والحرص على اثارة الاطراف الاخرى، بهدف اخراجها من الهدوء والدخول في المواجهة المباشرة.

القدرة على اثارة المشاكل مرتبطة بامتلاك الادوات اللازمة، فتارة عبر التواري خلف اصحاب النفوذ والسلطة الاجتماعية، وتارة أخرى، من خلال امتلاك السلطة اللازمة للاضرار بالاخرين، حيث تعمد هذه الشريحة للاستفادة من الظروف الراهنة، لتخريب البيئة الاجتماعية، بهدف تحقيق الغايات المرسومة، والحرص على انتهاج سياسة الفوضى المستمرة، لاسيما وان مبدأ ”ادخلوا في السلم كافة“ ليس واردا على الاطلاق، نظرا لخطورة ارساء مبادئ الاستقرار الاجتماعي، على مستقبل هذه الفئة ”الشريرة“ على الاطار الشخصي.

الاحقاد الداخلية تمثل احد الأسباب، وراء ادمان المشاكل في البيئة الاجتماعية، فالبعض يتحرك بدوافع مرضية للاضرار بالاخرين، سواء نتيجة مواقف سابقة، او بسبب عدم القدرة على تبوأ المكانة المتقدمة، مما يدفعه لمحاولة اثبات الذات بالطريقة الخاطئة، من خلال افتعال المشاكل، وادخال الفئات الاجتماعية في المواجهات المباشرة، باعتبارها الوسيلة المناسبة للحصول على بعض المكاسب الخاصة، الامر الذي يفسر الانخراط الكامل، في البحث عن الثغرات الصغيرة لاشعال الفتنة، ومحاولة احراق الجميع بنيران الاحقاد الداخلية، التي تعشعش في صدور هذه الفئة المريضة.

الاستجابة غير الواعية للاستفزازات المتعددة، وعدم تحمل الممارسات غير العقلانية، والفشل في ارساء الهدنة الاجتماعية، عناصر اساسية في استمرار هذه الشريحة، في تنفيذ مشاريعها التخريبية، خصوصا وان اثارة المشاكل مرتبطة بالاستجابة الطوعية، لمختلف انواع الاستفزازت، وعدم القدرة على تجاهلها، مما يرفع من منسوب التوتر الداخلي، والدخول في نفق الخلافات الشديدة، الامر الذي يصب في مصلحة شريحة ”المشاكل“ بالدرجة الاولى، بيد ان وضع الاعصاب في الثلاجة يفوت الفرصة، على ارباب المشاكل في الوصول الى المآرب، والغايات المرسومة، بمعنى اخر، فان التحرك الواعي ومحاولة اكتشاف الاغراض الحقيقية، من وراء اثارة المشاكل، يساعد في تجنب الكثير من الحوادث المأسوية، لاسيما وان المجتمع الواعي يضع المصالح العظمى في المقدمة، بحيث يتجلى في التغاضي عن بعض الاساءات، وعدم التوقف عندها على الاطلاق، باعتبارها مطبات تعرقل مسيرة السلم الاهلي الاجتماعي.

وجود اطراف ضابطة لاسكات الاصوات الشريرة، يساعد في اطفاء نيران الحروب الكلامية، والقضاء على المعارك الاجتماعية، خصوصا وان ايجابيات التجاهل واستخدام مبدأ ”الصفح“، تتجاوز مكاسب رد الاعتبار، وعملية الانتقام الشخصية، لاسيما وان الدخول في الممارسات الانتقامية يترك تداعيات سلبية، على الثقافة الاجتماعية السائدة، مما يساعد ارباب ”المشاكل“ في السيطرة على الوضع العام، وارساء ثقافة التخريب في النفوس، من خلال بث مفردات وممارسات طارئة على البيئة الاجتماعية، مما يجعلها الحاكمة في التعاملات اليومية، كونها الغذاء اليومي المفضل، لدى العديد من الفئات الاجتماعية، بينما الابتعاد عن الانتقام يكرس واقع ”السلم“ في الحياة اليومية، مما يفوت الفرصة على ارباب ”المشاكل“، في الوصول الى الغايات على اختلافها.

ادمان المشاكل جرثومة سرطانية تصيب الجميع، انطلاقا من مبدأ ”الخير يخص والشر يعم“، فالدخول في لعبة المشاكل بمثابة مغامرة غير محسوبة النتائج، خصوصا وان الجميع خاسر ولا يوجد رابح على الاطلاق، فالنيران لا تفرق بين طرف واخر، فهي تأتي على الجميع، ”تأكل الاخضر واليابس“، وبالتالي فان البيئة الواعية تتحرك باتجاه اخماد جميع اسباب المشاكل، والحرص على ايجاد المعالجات المناسبة، لمنع استغلالها بطريق مريضة، مما يقطع الطريق امام اصحاب المشاكل، للاستفادة من بعض المشاكل لايغار القلوب بالامراض المختلفة.

كاتب صحفي