آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:41 م

كيف يبني الحوار العقول؟

ورد عن أمير المؤمنين :.. حدثوا الناس بما يعرفون وأمسكوا عما ينكرون» «بحار الأنوار ج 2 ص 77».

الغاية الأسمى من إجراء أي حوار مع الآخرين هو إثراء العقل وبناؤه من خلال تبادل الأفكار ووجهات النظر والوصول إلى نتائج مثمرة، وإذا بحثنا في القرآن الكريم سنجد الآيات الكريمة تتخذ أسلوب الحوار في قصص الأنبياء في هديهم الناس نحو معرفة الحق والخروج من ضلال الجهل والتقليد الأعمى، فتحريك العقل لتصغير مساحة المجاهيل والانفتاح على أبواب المعرفة هو قوام وجود الإنسان ومعيار سيره نحو التكامل، فالحوار تربية ممنهجة للتنمية الفكرية والوصول إلى الحقائق، فتكوين القناعات الفكرية إحدى وسائله المحاورة وطرح الأفكار المستندة على دعامات الاستدلال، والتقارب الفكري بين أفراد البشر يستند على الحوار الحضاري بعيدا عن لغة العنف الفكري أو المادي.

تجاذب أطراف الحديث وتبادل وجهات النظر والدخول في نقاشات جادة لتوصيل فكرة وعرضها أو نقدها، يحتاج إلى آليات تسهم في تفعيله وتنشيطه ليؤتي ثماره اليانعة، فمما يتعلق بذلك هو الأفكار التي يمكن طرحها وما يبتغيه من الوصول إلى تصورات مشتركة، وهذا يؤطر عالم الحوار بإطار الفاعلية والإنتاجية ليخرج تلك النقاشات العقيمة التي لا طائل من جهد الاشتراك فيها.

ومن آليات الفاعلية معرفة وقت الحديث والإنصات للآخر، فعرض الفكرة بأسلوب جميل وجذاب وقائم على معطيات وأسس عقلية يستند عليها يتطلب الإعداد الجيد وتجنب إلقاء الأمور على عواهنها، وفي المقابل لابد من إفساح المجال وإعطاء الفرصة للآخر ليبدي وجهة نظره فيرى منك الاهتمام والإنصات، فالتقبل النفسي والاندماج مع أي حديث لابد أن ينبع من شعور الفرد باحترام شخصيته وحديثه، وكذلك طرح الأسئلة على الآخر يتطلب اختيار الوقت ومعرفة جدوى تلك الأسئلة التي تصب في مجرى الحديث وتأخذ الحوار نحو الاسترسال والتعمق والانتقال السلس من مرحلة إلى أخرى.

ووضع معيار لوزن ما نتحدث به أو نسمعه من الأمور المهمة التي تحفظ أوقاتنا وجهدنا، فالحوارات رافد مهم لبناء العقل الواعي وتكوين المخزون المعرفي والثقافي الذي يسانده في فهم الحقائق والمفاهيم، ويواجه أي ظاهرة أو مشكلة بعين البصيرة والنضج والحنكة، فكلام المرء يعبر عن قدره وشأنه وفهمه لدوره الوظيفي في الحياة، فالبعض يعبر بكلامه عن حياة الضياع التي يحياها فلا يعلم ما الذي يريده بل ويغيب عنه التخطيط لحياته ومستقبله تماما، وهناك من تفهم سطحيته وفقدانه للطموح والهمة العالية ولا يملك تحديدا واعيا لأهدافه في الحياة وهذا ما تفهمه من ثنايا حديثه، بينما هناك من يثري عقلك بحديثه وتضيف في كل مرة لمعارفك ما هو جديد، إذ له نظرة واقعية للحياة فيقدم تصورا واضحا لخطواتك ويضع أناملك على أوجه تقصيرك وأخطائك.

ولابد مراعاة الفروق الفردية والمستويات العقلية التي يتفاوت بسببها الناس، فالحديث مع شخص قد لا يكون مفيدا ولا مثمرا مع آخر لا بسبب فقدانه للموضوعية، بل لأن الطرف الآخر لا يستوعب مثل هذه الأفكار فيكون من الخطأ الحديث معه فيها، فالبعض ينكر ويعارض بعض الأفكار لأنها فوق فهمه ولا يستطيع هضم معانيها سواء كان ذلك في النواحي العقائدية أو الثقافية أو الفكرية وغيرها.