آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

تأملات رمضانية

محمد أحمد التاروتي *

شهر رمضان محطة ايمانية لا تتكرر سوى مرة واحدة سنويا، فالشهر الفضيل لا يقاس بكافة الشهور، نظرا للفيضاالآلهي الكبير من لدن الخالق على عباده، فالمرء مطالب ببذل قصارى جهده، لحصد اكبر حصيلة من الثواب الجزيل، خصوصا وان ”وهو شهر يفتح فيه أبواب السماء وأبواب الرحمة ويغلق فيه أبواب النيران“، وبالتالي فان الاستغلال الأمثل للشهر الكريم، يكشف القابلية الكبيرة لدى الانسان، للتعامل مع هذه الأيام الفضيلة.

تعدد الطرق والوسائل لكسب الاجر الكبير، والتزود بالطاقة الروحية طيلة الشهر الكريم، فهذه العطاءات تساعد على تهيئة النفس لمواجهة المغريات الدنيوية، في الأشهر القادمة، لاسيما وان فريضة الصيام تلعب دورا كبيرا في تقوية الإرادة ”وَاذْكُرُوا بِجُوعِكُمْ وَعَطَشِكُمْ فِيهِ، جُوعَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَعَطَشَهُ“ ومقاومة كافة الشهوات المادية، ”وَالشَّيَاطِينَ مَغْلُولَةٌ، فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يُسَلِّطَهَا عَلَيْكُمْ“.

المحطة الايمانية الرمضانية تبدأ منذ اللحظات الأولى لدخول الشهر الفضيل، حيث يشعر المرء بطاقة داخلية كبرى للانطلاق، بقوة نحو التزود بالطاقة الروحانية، من خلال الاقبال على العبادة بمختلف اشكالها، والحرص على نيل الثواب الجزيل، في كل لحظة من لحظات النهار والليل، فتارة الالتزام بالصلاة في الأوقات، وتارة أخرى عبر المداومة على قراءة القرآن، والثالثة بالعطف على الفقراء والمشاركة في الاعمال الاجتماعية المختلفة، لاسيما وان هذه الممارسات العبادية ترفع من الطاقة الروحية لدى الصائم، من خلال مراقبة الاعمال وأدائها بالاخلاص، والابتعاد عن الممارسات المخلة بتلك العبادات على اختلافها.

الصيام فريضة تختلف عن غيرها من الفرائض الأخرى، فهي من العبادات التي تمتاز بالابتعاد عن الرياء، بخلاف بعض الفرائض الأخرى مثل الصلاة والصدقة، وغيرها من العبادات الظاهرية، فالصوم يقوي العلاقة مع الخالق، من خلال الإخلاص الدائم، والابتعاد عن مواطن الرياء، بمعنى اخر، فان المحطة الايمانية للصيام ركيزة أساسية، في مشوار العبد في الحياة، نظرا لقدرة الصيام على إعطاء الصائم دفعات قوية، لمقاومة مختلف أنواع ”الضعف“ البشري، سواء امام الماديات ”الطعام“، او المعنويات ”الغزائر“.

محطة الصيام قادرة على وضع المرء في المسار السليم، من خلال تهيئة النفس بشكل كامل للتعامل مع العراقيل المتعددة، التي تحاول تعطيل المسيرة الايمانية للإنسان، باتجاه نيل رضوان الله تعالى، خصوصا وان المسيرة الحياتية مليئة بكافة اشكال الافخاخ المادية والمعنوية، مما يستدعي التوقف مليا بين فترة وأخرى لمراجعة الذات، بهدف إعادة برمجة الأولويات بما ينسجم مع طاعة الله، لاسيما وان مشوار الجنة يتطلب الكثير من العمل، وتوطين الذات في طاعة الله، الامر الذي يستدعي التعاطي بشكل مختلف مع الحياة الدنيوية، من خلال التفاعل غير التقليدي مع العبادات على اختلافها، ولعل شهر رمضان المبارك احدى العبادات الإلهية، القادرة على وضع بصمة واضحة في مسيرة العبد باتجاه رضوان الخالق.

شهر رمضان محطة سنوية عنوانها الأبرز ”الامتناع عن الطعام“ في النهار، ولكنها تتجاوز النظرة السطحية، التي يحاول البعض تكريسها في العقل الجمعي، فالصيام يلعب دورا كبيرا في القضاء على الحالة الفردية، ونزعة ”الانا“، من خلال التشديد على الاطار الاجتماعي ”“ أيها الناس! مَنْ فَطَّرَ مِنْكُمْ صَائِماً مُؤْمِناً فِي هَذَا الشَّهْرِ، كَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ الله عِتْقُ نَسَمَةٍ، وَمَغْفِرَةٌ لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ".

يبقى شهر رمضان رسالة سماوية غزيرة المعاني، اذ يصعب على المرء ادراك الغايات الكامنة، وراء فرضها على المسلم، فالفوائد الكبيرة التي سطرت طوال القرون الماضية، ستبقى ضمن التفكير الإنساني القاصر، وغير القادر على سبر الاغوار الحقيقية، لمغزى عبادة الصيام، ”وهو شهر يفتح فيه أبواب السماء وأبواب الرحمة ويغلق فيه أبواب النيران وهو شهر يسمع فيه النداء ويستجاب فيه الدعاء ويرحم فيه البكاء وهو شهر فيه ليلة نزلت الملائكة فيها من السماء فتسلم على الصائمين والصائمات باذن ربهم إلى مطلع الفجر“.

كاتب صحفي