آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

تأملات رمضانية 3

محمد أحمد التاروتي *

الطاقة الروحية العالية للصائم، احدى المحركات الأساسية، لزيادة الجرعات العبادية طيلة ساعات النهار، وكذلك جزء كبير من ساعات الليل، باعتبارها ركيزة أساسية لمفهوم الصيام، والسعي الدائم على القيام بفريضة الصيام على الأوجه الاكمل، خصوصا وان التراخي وعدم الاهتمام يفقد الصائم الفرصة الثمينة، التي لا تتجاوز شهرا كاملا، وبالتالي فان الصائم يتحرك باتجاه زيادة الشحنة الروحية، والعمل على الاستفادة من الأجواء الايمانية غير الاعتيادية، بما يعود عليه بالفائدة الاخروية والدنيوية في الوقت نفسه.

الانسجام الداخلي والخارجي للصائم امر أساسي، لاسيما وان الاختلاف بين الممارسات والقناعات الداخلية، يترك فجوات كبيرة في الاستفادة من مضامين فريضة الصيام، فهناك الكثير من الدروس والعبر المعنوية للامتناع، عن الاكل والشرب طيلة ساعات النهار، مما يستدعي التحرك الصادق للوقوف على بعض اسرارها، بهدف احداث تحولات داخلية عميقة في الذات، بما يتوائم مع تقوية الايمان في النفوس، وإزالة كافة الأسباب التي تدفع المسلم للتشبث بالماديات، وتفضيل الحياة الدنيوية على الفوز الاخروي.

المبادرة الصادقة للوقوف على بعض مضامين فريضة الصوم، عملية أساسية للخروج بحصيلة وافرة من الطاقة الروحية، فالعملية تتجاوز الفهم القاصر او السطحي، القائم على بعض الممارسات الظاهرية للصيام، انطلاقا من شهر رمضان من افضل الشهور ”أيها الناس: إن هذا الشهر شهر فضله الله على سائر الشهور كفضلنا أهل البيت على سائر الناس وهو شهر يفتح فيه أبواب السماء وأبواب الرحمة ويغلق فيه أبواب النيران“، وبالتالي فان ادراك أهمية الشهر الفضيل يحفز المرء لمحاولة الاستفادة القصوى، من هذه العبادة بما يعود عليه بالخير الوفير والعتق من النيران.

الإحساس بالطاقة الروحية مع دخول شهر رمضان ليس خافيا على الصائم، فالمسلم يشعر برغبة غير طبيعية في القيام بالعبادات، والحرص على التقرب من الخالق، بهدف زيادة الجرعة الايمانية بشتى الوسائل، خصوصا وان أبواب السماء مفتحة للصائمين على مدار الساعة، مما يعطي الصائم قدرة استثنائية لمواصلة العبادات لنيل رضون الله، ومحاولة تسخير الكرم الإلهي بما يعود على المسلم، بزيادة رصيد من الثواب الجزيل، ”وهو شهر يسمع فيه النداء ويستجاب فيه الدعاء ويرحم فيه البكاء وهو شهر فيه ليلة نزلت الملائكة فيها من السماء فتسلم على الصائمين والصائمات باذن ربهم إلى مطلع الفجر“.

الحرص على استكمال البرنامج العبادي بالشكل السليم عملية أساسية، لاسيما وان الخلل يحرم الصائم من الحصول على الرصيد الروحي اللازم، وبالتالي فان القيام بالاعمال العبادية على الوجه المطلوب، يساعد في اختراق الحجب المعنوي، التي تعطل الحركة الروحية للمسلم، خصوصا وان الطاقة الروحية مفتاح أساسي للانطلاق، بجميع الجوارح باتجاه رضوان الخالق، بمعنى اخر، فان البرنامج العبادي المكثف طيلة شهر رمضان المبارك، يركز على تقرب العبد اكثر وتجديد العهد مع الخالق مجددا، لاسيما وان المرء معرض للسقوط في مستنقع الاهواء والشهوات على الدوام، مما يستدعي التوقف بشكل سنوي للتزود بالوقود الروحي، لمقاومة مختلف أنواع المغريات الدنيوية.

تنمية الطاقة الروحية ممارسة يومية وليست قاصرة على فترة زمنية محددة، بيد ان فرصة شهر رمضان لا تتكرر، نظرا لما يشكله الصيام اثر روحي غير طبيعي على الصائم، مما يدفعه بقوة نحو بذل المزيد من الجهد، ومحاولة زيادة الشحنة الروحية، للسيطرة على الموانع المعنوية والمادية، التي تحاول جر الصائم للأرض، ومنعه من الارتقاء في سماء المعاني الروحية الكثيرة، التي يبثها شهر الصيام في النفوس، منذ اللحظات الأولى لرؤية هلال الشهر الفضيل.

”أيها الصائم تدبر أمرك فإنك في شهرك هذا ضعيف ربك انظر كيف تكون في ليلك ونهارك وكيف تحفظ جوارحك عن معاصي ربك، انظر أن لا تكون بالليل نائما وبالنهار غافلا فينقضي شهرك وقد بقي عليك وزرك فتكون عند استيفاء الصائمين أجورهم من الخاسرين وعند فوزهم بكرامة مليكهم من المحرومين وعند سعادتهم بمجاورة ربهم من المطرودين“

كاتب صحفي