آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 1:13 م

شجرةٌ أمام كلِّ دار كيف تكون شوارعنا - سلسلة خواطر متقاعد

في السَّنوات التي كبرتُ فيها في جزيرةِ تاروت، لم يكن في الجزيرة سوى شارعٌ رئيسي واحد يخترقها من الشَّرقِ إلى الغرب ويقسمها إلى ضفَّتين. وبقية الشَّوارع كانت ضيِّقةً، بالكاد تكفي لمرور عربات الحمير. ومع هذا البدائية في سعةِ الشَّوارع وتنظيمها إلا أن النَّاس أنفسهم كانوا هم الزرَّاع، وكان الغطاءُ النباتي كافيًا لنا لنمشي تحتَ ظلال ما توفر في الجزيرة من أشجارِ النَّخيل واللَّوزِ وغيرها من أصنافِ المزروعات.

أظن أن هذا لم تختص به جزيرة تاروت وحدها، بل كل منطقةٍ في القطيف آنذاك. كنا نمشي وسط الشَّوارع الضيِّقة بين المزروعات، لم توجد بعد كهرباء منتظمة أو أجهزة تبريد في فصل الصيف، وكان الإحساس بالحرارة أخفّ منه عن الآن لوفرة ذلك الغطاء النباتي المطل فوق رؤوسنا. والبديع في ذلك الزمان كان أنواع الطيور والأصوات التي تضج بها الحقولُ في كلِّ الفصول. بيئتنا ليست عاقرا وهي ولَّادة لأصنافٍ وأنواعٍ من الجَمال، مع قليلٍ من الإرادةِ والجهد!

الآن، هل صعب أن يزرعَ كلُّ واحدٍ منا شجرةً واحدة - أو اثنتين - أمامَ منزله لكي يعود بعضٌ من ذلك الجمال؟ أظن أن تلك المهمَّة سهلةٌ جدًّا! وبالتالي سوف يكون شارعنا وبقية الشوارع أجمل وأبرد مما هو عليه الآن. من الجزم أن طرقات هذا الزمان أوسع ولو زرعنا بعض الأشجار على ضفافها سوف تعود الطيورُ وأصواتها، أصوات نظنها اختفت لكنها فقط ذهبت بعيدًا حيث الخضرة والمأوى الصَّالح!

لكم أن تتخيلوا كم من البهجةِ تضيفه آلافٌ من الأشجار، وكم من الحياةِ تبث في شوارعَ بدت الطبيعةُ فيها وكأنها استسلمت لقدرها وماتت! يوم أمس لفت نظري أن معظم الشَّوارع - ومنها الشَّارع الذي أنا ساكنٌ فيه - ليس فيها إلا جزر تزرعها البلديَّات في وسطها. توقف النَّاس عن زراعةِ الأشجار أمام منازلهم، واكتفوا بتلك الجزر وبالزراعة داخل دورهم! مما يجعل المشي في الشَّوارع لا يطاق مع ارتفاع درجات الحرارة واقتراب فصلِ الصيف.

جمال المدن - والأحياء - ليس في مبانيها واسمنتها فقط، وأعظم تعبيرٍ عن جمالها هو الطبيعة والألوان التي تضيفه الأشجارُ والخضرة. ومن العيوبِ والتشوهات الواضحة أن أصبحت مداخل الدور مبلَّطة ومرصوفة لوقوف السيارات، ولا مساحات فارغة تسمح بزراعة الأشجار أمامَ المنازل!

مستشار أعلى هندسة بترول