آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

فيما بقي منه

ماذا سيكون عليه حالنا وتهيئة أنفسنا لو دعانا شخص مسئول ذو مكانة مرموقة لضيافة على مأدبة شرف وتكريم؟

بلا شك أن استنفارا على جميع الأصعدة سيقود استعدادنا لتلك الدعوة من ناحية اللباس والمظهر والإعداد اللائق لما سنتكلم به بما يحافظ ويعزز مكانتنا عنده، مع تنبه وحذر شديد من ارتكاب أي خطأ يسقطنا من عين احترامه وتقديره، فكيف بنا وقد دعانا الملك الجبار لمأدبة التهذيب الأخلاقي والسلوكي في شهر الضيافة، وقد أودع شهره الكريم وديعة وأمانة بين أيدينا؛ ليرى كيف نحافظ عليه من أي فعل يخدش الحياء فيه، فهل نحن على مستوى هذا الامتحان الإلهي وقمنا بإعداد أنفسنا لتلقي جوائزه السنية؟

وهاهو قطار الضيف الكريم يشق عباب الزمن سريعا دون توقف ليقارب محطة منتصف الطريق، وهنا ينبغي التوقف كثيرا للنظر والمحاسبة على ما مضى منه لأجل تلافي نواحي التقصير والأخطاء المرتكبة في المرحلة الماضية، فمجرد وجود ثغرات وتقصير في تنفيذ برامج عبادية وروحية وتثقيفية فيه لا يعني نهاية الطريق وإغلاق ملف إصلاح النفس، بل يعني تفحص الأداء التنفيذي من أجل استخلاص الأخطاء والاستفادة منها في النصف الآخر من الشهر الكريم، وما مضى يمثل جرس إنذار وتحذير لإعادة الحسابات وتعديل وإصلاح أوجه التقصير.

المرحلة السابقة من شهر رمضان تمثل الأرضية الخصبة لبناء النفس واكتساب أوجه القوة والاقتدار، فالإمساك عن المفطرات عزز روح الصبر والمناعة أمام الأهواء والشهوات، ونشطت المشاركة الوجدانية مع آلام واحتياجات الآخرين إذ أن الشعور بالظمأ والجوع نهار الصوم أشعره بحالة العوز عند الفقراء، مما حرك فيه روح العطاء والتفاعل المجتمعي منطلقا من مبدأ خدمة الخلق كأقصر الطرق للقرب من الخالق.

والتربية الروحية التي تلقاها الصائم من خلال برامج الدعاء والمناجاة المكثفة في هذا الشهر، وكذلك تلك الومضات الأخلاقية والتربوية التي تركز عليها المحاضرات التثقيفية، نقلته من عالم المادية واللهث خلف مظاهر الزينة والتفاخر بالمال والمكانات الوجاهية المزيفة، ليتجه نحو بناء روحه بالقناعة والزهد والاهتمام بالعالم الأخروي، إنه السمو الروحي الذي ضرب بجذوره وترعرع في منسوبه ومستواه مع إشراقة كل يوم جديد من مضمار تطهير الروح بالصوم.

أولى محطات إحسان ضيافة الشهر الكريم وقد مضى نصفه أن نعيد حساباتنا وننظر في أوجه التقصير والغفلة عن إنعاش أرواحنا بعبير التعبد والمناجاة فيه، ولننظر إلى مضامين الصيام على البعد الثقافي والاجتماعي والأخلاقي ومقدار ما حققناه منها؛ لنستكمل طريق التكامل واكتساب الومضات البنائية فيه، ولننظر إلى قلوبنا ومقدار صفائها وتلاشي المشاعر السلبية والكراهيات والخلافات فنعمد إلى تصحيح العلاقات معهم، فإن روح التسامح والتغافل عن هفوات الآخرين من أفضل المضامين التي نحققها في شهر رمضان.

الكياسة والفطنة تتجلى في هذا الشهر الكريم بامتلاك الإرادة على التغيير والاتجاه نحو بناء النفس، فنحن أمام فرصة سانحة نمتنع فيها عن الشهوات ونئد أهواءنا لنعيد صياغة شخصياتنا وقد امتلكنا زمام أمورنا والمبادرة نحو الخيرات، يقف الصائم أمام مرآة النفس ليصارحها بكل ما يخامر عقله ويختلج في نفسه من أفكار ومشاعر ومواقف، ويبدأ برنامج المحاسبة والصراحة ليصل إلى حالة من اليقظة والنباهة لضميره، إنه موسم الاستثمار وجني النتائج الإيجابية لمساعيه وحركته نحو القرب من الله تعالى وتحسين أخلاقه.