آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

وداعاً اسطورة كرة القدم ”19“

عبد العظيم شلي

صحف ومجلات ومحطات تلفزة تناقلت خبر إصابة مارادونا، بكسر في كاحله الأيسر وتمزق في الغضاريف، وتتوارد الأنباء عن إجراء عملية جراحية له في غضون أيام قليلة، فريق أطباء مستشفى برشلونة بين أيديهم صور الأشعة التي تكشف عن حجم الضرر التي تعرضت له قدمه.

لقطات مصورة تظهر الفتى وهو مستلقيا على السرير المتحرك والممرضون يدفعون به إلى غرفة العمليات، إبتسامة تعلو محياه وتلويحة من يديه، رسالة تفاؤل لأهله وطمأنة لمحبيه.

ماحدث له في المباراة الأخيرة لم يكن في الحسبان، ولم يدر في خلده بأن قدمه ستتعرض للكسر يوما، وتقعده عن الحراك.

بين الٱلم والغياب، ثمة تفاعلات وانعكسات غريبة.. بعد هذا اللقاء الصادم، الذي استفز الجماهير بردود فعل متباينة وبمشهدين متناقضين.

بشر متعاطفة مع الفتى الذهبي بشكل مطلق صبت جام غضبها انفعالا ضد ”غويكوتكشيا“ المتسبب في إصابته البليغة، واسقطت الفاظا قاسية على هذا اللاعب الشرس، وبدورها الصحافة وصفته بأوصاف متعددة، بالمتشدد، الحيوان، لاعب متهور، ”جزار بيلباو“، والوصف الأخير التصق به طوال مسيرته الرياضية وأصبح وسما على جبينه، لبشاعة لعبه وحركاته العدوانية المتكررة تجاه الخصوم.

والذي أطلق عليه لقب "الجزار'، هو الصحفي البريطاني

”ادوارد أوين“ الذي كان متواجدا أثناء سير المبارة، لقب لازم اللاعب حتى بعد أن هجر الملاعب وإلى الٱن وغدا.

المشهد الثاني معاكس للأول، إن كان المتعاطفون عبروا عن موقفهم، وكذا فعل المحايدون، وهو موقف نبيل لمن يواسي مصابا وبالأخص ضد لاعب فنان تعرض للإيذاء بطريقة وحشية سافرة، يأتي بالمقابل النقيض تماما، من أناس هللت فرحا وبشرى للفعلة القبيحة، وتشكر اللاعب وتحييه لما قام به وتناديه بصوت جماعي ”غويكوتشيا..غويكوتشيا“ بل تحييه بتحية الأبطال الفاتحين، تحيه بتحية الشجعان المناضلين، إنهم جماهير فريق ”اتلتيك بيلباو“ المتعصبون حد النخاع، تنادي فارسها المبجل فخرا وعزة حمية وتزفه بأناشيد باسكية!!، بعد هذا المنظر الغريب، صرح مارادونا من داخل المستشفى ”أنا لا أفهم الجمهور الذي يصفق للعنف، لو ركل أحد زملائي لاعبا وأفقده الوعي لن أحمله على كتفي كبطل“.

مشهد التشفي جلب تسمية مزرية لفريق ”اتلتيك بيلباو“ بوصفهم ب ”فريق الوحوش“، لعدوانيتهم تجاه الخصوم، أربعة مدافعين منهم وعلى رأسهم الجزار، اتخذوا من الشراسة أسلوب لعب للدفاع عن شباكهم لتبقى سليمة.. قاموا بأفعال الغاب، ضرب، ركل، رفس، كسر، إسالة دماء، افتراس لامحدود بإسم اللعب الرجولي.

محترفون يكسبون رزقهم للذوذ عن حمى مرماهم بأي ثمن، تبرق عيونهم وتعلو انفاسهم للمكٱفات، ماديا ومعنويا كلما اقتصوا من أجساد المهاجمين ونالوا منهم ضررا، يعطلونهم عن اللعب زمنا، دون خشية من أحد او ارتداع من توبيخ ضمير، فهم مدعومون من ساسة الاقليم وحركة ”ايتا“ الانفصالية، وفي ذات الوقت تساندوهم بحرارة جماهيرهم المتعصبة، تزفهم زفا صاخبا نحو نضالهم المزعوم في كل منازلة كروية، نفوس متوترة بفعل رواسب تاريخية متراكمة، بجدون ضالتهم بإفراغ شحنات واحقاد دفينة، يطلقون العنان للصراخ والشتائم ويزفرون الفاظا عنصرية وكلمات بذيئة، تهتز من قبحها كراسي المدرجات، وكأن المستطيل الأخضر مساحة ثأر مستباحة.

سيناريو المبارة سيئة الصيت بين برشلونة واتليتك بلباو تناقلتها وكالات الأنباء العالمية بشيء من التفصيل، وقيل بأن رجل المباراة كان مارادونا، بتسجيله هدفا وتجهيزه هدفين لزملائه..

نتيجة نهائية أسفرت عن فوز البرشا ب 4 مقابل صفر، وعلامات النقد والاستفهام طالت حكم المباراة ووجه له نقدا لاذعا وشبه بحكم مصارعة وليس حكم كرة قدم، بقراره السلبي وموقفه الباهت، مجرد كرت أصفر في وجه

”غويكوتشيا“ بدلا من طرده خارج الملعب بالكرت الأحمر وبعدها يواصل اللعب وكأن شيئا لم يكن. مارادونا من داخل المستشفى ممددا على السرير الأبيض وبانفاس موجعة شن هجوما على التحكيم الإسباني ومدرب بيلباو - خافيير كليمنتي - بقوله: ”لن أسامح هذا المدرب أبدا، لقد قال بعد المباراة أنه فخور بلاعبيه!، سيستمر العنف في ملاعب الكرة الإسبانية طالما تساهل الحكام مع ذلك“.

ووصف المؤلف الشهير جيمي بيرنز هذه الحادثة: ”واحدة من أكثر الأخطاء وحشية في تاريخ كرة القدم الاسبانية“.

لكن الإتحاد الاسباني أجتمع واتخذ قرارا بإيقاف ”جزار بيلباو“ 18 مباراة، وتم إستئناف القرار من قبل نادي بلباو وخفف الحكم إلى 7 مباريات، موقف لم يعجب مدرب برشلونه سيزار مينوتي وأطلق تصريحا حادا ووصف جويكوتشيا ”بأنه واحد من عرق أعداء لاعبي كرة القدم، هذا اللاعب يجب منعه من اللعب مدى الحياة“!!.

مااكثر أعداء الإنسانية الذي يلعبون بمصائر البشر ومقدراتهم ويسلبون حقهم وحريتهم في لعب ادوارهم في الحياة.

بين الحب والعداوة، وبين العدل والظلم بين الخير والشر صراع أبدى، وكرة القدم عالم مصغر لاوجه الحياة المتقلبة.