آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

تأملات رمضانية 30

محمد أحمد التاروتي *

الحفاظ على مكتسبات شهر المغفرة والتوبة والرحمة، يمثل النقطة الأساسية لمواصلة مشوار صلاح النفس، والارتقاء بالذات نحو السمو الروحي، فالعبادات الكثيرة خلال شهر رمضان تعطي الصائم رصيدا كبيرا من الطاقة الروحية، مما يساعد في مواجهة امتحانات الحياة على اختلافها، لاسيما وان محطة شهر رمضان قادرة على شحن الانسان بالوقود، القادر على قطع مسافة كبيرة في طريق الجنان، الامر الذي يحفز على تحريك الذات بالاتجاه الصائب، وعدم الاستسلام للمغريات على اختلافها.

جردة الحساب للوقوف على المكاسب، وكذلك التعرف على الثغرات في المسيرة الدنيوية، عملية أساسية لمواجهة مفاجآت الحياة، والعمل على معالجة الأمور بالطريقة المناسبة، لاسيما وان تعزيز المكاسب يتطلب اتخاذ الحيطة والحذر في المرحلة القادمة، فالعملية مرتبطة بالقدرة على وضع الأمور في المكان السليم، مما يستدعي انتهاج القراءة الصحيحة في التعامل مع الافخاخ الدنيوية، بهدف الخروج من تلك التحديات الحياتية باقل الخسائر المعنوية، خصوصا وان المرء سيكون في قلب المعركة بمجرد انتهاء شهر رمضان المبارك، نظرا لعودة الأمور لسابق عهدها، فالاجواء الروحية في شهر رمضان مرتبطة بتوافر الأسباب، ومنها تصفيد الشياطين، وتفتح أبواب الجنان للصائمين ”أيها الناس، ان أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فاسألوا ربكم ان لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة فاسألوا الله ان لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة، فاسألوا ربكم ان لا يسلطها عليكم“.

التوجه الى الله بالشكر والامتنان على توفيقه، لبلوغ نهاية الشهر الفضيل، جزء جوهري من جردة الحساب، لمرحلة ما بعد شهر رمضان المبارك، فالكرم الإلهي لاطالة عمر المسلم حتى نهاية الشهر الفضيل، يقابل بالشكر الكثير من لدن الصائم، لاسيما وان هذه الفرصة ليس متاحة للجميع، فالكثير لم يوفقوا الى هذه النعمة الإلهية الكبرى، نظرا لكون التوفيق الإلهي بصيام شهر المغفرة والرضوان، فرصة لاعادة برمجة الأمور لدى المسلم، من خلال وضع التحديات الدنيوية في الاعتبار، والتصميم على العودة الصادقة الى جادة الصلاح، فالمرء مطالب بالتذكر الدائم لنعم الله الكثيرة عليه، ولعل ابرزها التوفيق ببلوغ شهر رمضان المبارك، لاسيما وان الجميع يترقب هذا الشهر الفضيل بشوق كبير للغاية، نظرا لادراكهم ما يحمل شهر المغفرة من هدايا، وعطايا الهية غير محدودة، ”اللَّهُمَّ أَدِّ عَنّا حَقَّ ما مَضى مِنْ شَهْرِ رَمَضانَ، وَاغْفِرْ لَنا تَقْصِيرَنا فِيْهِ، وَتَسَلَّمْهُ مِنّا مَقْبُولا، وَلا تُؤاخِذْنا بِإِسْرافِنا عَلى أَنْفُسِنا، وَاجْعَلْنا مِنَ المَرْحُومِينَ وَلا تَجْعَلْنا مِنَ المَحْرُومِينَ“.

ادراك الصائم بأهمية التعامل مع المائدة الرمضانية، بالطريقة المثالية، يحفز على تحريك الجانب الرقابي مع انتهاء الشهر الفضيل، بهدف وضع المكاسب في الاعتبار على الدوام، والعمل على الحفاظ عليها، ومحاولة التعرف على الهفوات، من اجل تجاوزها واصلاحها، للدخول في ساحة المغفرة والرضوان، لاسيما وان الجانب العبادي المكثف في شهر الخير، يفتح الطريق امام الانسان، لانارة الدرب باتجاه الجنان، فالصائم يكون ضيفا على السفرة الربانية، مما يجعله محط عناية الهية طيلة الشهر الكريم، وبالتالي فان احتساب الخطوات بدقة عملية أساسية، للحفاظ على اداب الضيافة الإلهية، ”أيها الصائم إن طردت عن باب مليكك فأي باب تقصد وان حرمك ربك فمن ذا الذي يرزقك وان أهانك فمن ذا الذي يكرمك“.

تبقى جردة الحساب في نهاية شهر رمضان المبارك، خطوة هامة في مرحلة الصراع مع الذات، بهدف السيطرة على الأمور، والحيلولة دون خروجها عن سياق الخير والصلاح، خصوصا وان مرحلة ما بعد شهر رمضان ستكون مختلفة تماما، عن فترة الصيام بكل المقاييس، مما يستدعي التزود بالطاقة الروحية، القادرة على مواجهة الصعاب في المرحلة القادمة، "أيها الصائم إن طردت عن باب مليكك فأي باب تقصد وان حرمك ربك فمن ذا الذي يرزقك وان أهانك فمن ذا الذي يكرمك وإن أذلك فمن ذا الذي يعزك وإن خذلك فمن ذا الذي ينصرك وإن لم يقبلك في زمرة عبيده فإلى من ترجع بعبوديتك

كاتب صحفي