آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

الأهلة وعلي الوردي

المهندس أمير الصالح *

بقلم: محب لله وللمجتمع

على وقع ازمة جائحة كورونا الحالية والتباعد الاجتماعي الصحي المفروض وتنامي معدل الغلاء المعيشي والتضخم السعري للمواد الاساسية واصداء وقوع ضحايا بريئة غيلة وغدرا باعمال ارهابية متعدد الاطياف في بقع كثيرة من العالم، وفي الوقت الذي يحتاج فيه ابناء العالم الاسلامي والعربي لا سيما الشباب الى كل جهد لرص الصفوف وبث روح الامل ورسم الفرحة ورفع المعنويات داخل كل وطن وكل مجتمع، نسجل تزايد معدل الاهتراءات والتصدعات الداخلية لمجتمعات متعددة بعناوين مختلفة. ومنها اختلافات فهم النص الديني داخل المدرسة الفكرية الواحدة قي تشخيص الاهلة وبشكل خاص غرة شهر شوال وغرة شهر رمضان!.

ومع شديد الاسف تنسحب بعض تلكم التصدعات حتى تصل الى داخل المنزل الواحد لتشطره الى اكثر من نصفين. حتى اضحى هلال ”غرة شهر شوال“ اي اعلان يوم عيد الفطر المبارك وتوديع شهر رمضان الفضيل من كل عام هجري مسرح يعج بمشاهد بيانات متفرقة، واستقطابات اجتماعية متفاوتة وتجديد عهد بجدليات موسمية مكررة وتشكيل كانتونات متنوعة دون اي بصيص امل لحلول جذرية لتلكم المعضلة. تنتج تلك المفارقات المزيد من الانشطارات العمودية الداخلية وتحدث تصدع اسري مقيت داخل بعض المنازل في بعض بقع الوطن الاسلامي وفي اوطان المهجر. المزعج هو ان ذلك التصدع ناتج عن تعدد المباني الفقهية في الاستعانة بتوظيف الادوات في تثبيت دخول الشهر الهجري الجديد بين مستخدم ادوات تقليدية ”العين المجردة“ ومستخدم ادوات عصرية مثل ”العين المسلحة / التلسكوب“ ومستخدم الحسابات الفلكية.

لا شك ولا ريب ان كل اصحاب البيانات المتعلقة بالتحري لغرة شهر رمضان أو غرة شهر شوال حريصون كل الحرص على احراز رضا الله سبحانه وتعالى وايقاع العمل العبادي في وقته. ولعل البعض يعلم بان رؤية هلال الاشهر يمكن تحصيلها بطرق متعددة ومقتنعون بان الاستهلال امر مندوب اليه شرعا. والبعض يرى انه من المفترض ان تتواكب اساليب تحري هلال الاشهر الهجرية مع الامكانيات المتاحة لاهل كل زمان ومكان وليس تجميد روح النصوص العبادية على الرؤية بالعين المجردة امر يخدم الهدف الزمكاني ومتطلبات العصر او هكذا اشخصه. ومع تقدم الوسائل العلمية والحسابات الفلكية فان نسبة عدم اصابة رصد الهلال بشكل دقيق اضحت شبه منعدمة. بينما حصر الرؤية بالعين المجردة لتثبيت ولوج الشهر الهجري هو الاقرب لعدم اليقين وللخطأ بنسب كبيرة جدا. وقد لا يُدرك المراد من ايقاع العمل في وقته حينئذ. وبما ان الحكم العام والفيصل في ثبوت دخول كل شهر هجري هو الرؤية. والرؤية قد تتم بغض النظر عن كيفيتها وآليتها وايقاع المتوخى المراد تحقيقه وهو حصول حالة الاطمئنان لدى الفرد او المجتمع للايلاج بالعمل العبادي ك الافطار في وقته او الاستمرار على الصيام كيفما اتفق. ولكون الحساب الفلكي هو الأدق علميا في اثبات دخول الشهر وأوقات الصلاة من كل الوسائل الاخرى المتاحة حاليا، كما يقول اهل العلوم الطبيعية والتخصصات من اهل الرياضيات، فان الاولى كما يراه البعض من المتعبدين لله هو استخدام الادوات العلمية اي الحسابات الفلكية لفك ازمة البيانات المتعارضة والتصريحات المترافقة في موسم الاستهلال لغرة الاشهر الهجرية.

عدم توظيف تلك الآلية العلمية الدقيقة مثل الحساب الفلكي ادى الى بروز امر مبهم وهو تزايد اضمحلال الثقة بين مؤمن ومؤمن آخر في تبني حالة الاطمئنان داخل الحي الواحد والمدينة الواحدة والوطن الواحد بل وداخل البيت الكبير الواحد لمن لهم ذات المدرسة الفكرية الاسلامية الواحدة في دخول شهر هجري عبادي جديد، لوجود انحيازات مسبقة في الانقياد لقول مجموعة محلية معينة هنا او هناك في اعتماد حالة الاطمئنان بدخول شهر شوال أو شهر رمضان.

يرى البعض ان اعتماد الحسابات الفلكية في اعلان دخول غرة كل الاشهر الهجرية سيسحب البساط من تحت اوراق البيانات المتضاربة وسيعطي زخم لرص الصفوف داخل المجتمعات واعادة توظيف الجهود المستنزفة في اعداد وتحرير ومتابعة اصدار البيانات ذات الصلة باثبات او نفي ولوج الشهر الى تحرير واصدار بيانات تبين خرائط طرق لحياة افضل واقتراح معالجة تحديات وجودية تواجه المجتمع والوطن والامة ولإطلاق مشاريع تخلق آفاق العمل المشترك داخل المكونات الاجتماعية مع صهر اصحاب النفوذ الاجتماعي في بوتقة الارتقاء بالمجتمع وسد الطرق على من يود التهكم ”بعنوان مع اوضد“ واغلاق مدرجات مهرجان التفرج على الهرج والمرج السنوي كما يسميه البعض الاخر.

الى هنا فهمنا مراد واحد وهو الدعوة لتأصيل فكرة الحسابات الفلكية او التدارس لتوظيفها في موضوع الاهلة، ولكن ما علاقة ما ورد اعلاه بالدكتور الراحل علي الوردي.

لا تستعجل سأتيك بالكلام. لعل البعض يعلم بان من أشهر مؤلفات الدكتور الراحل علي الوردي كتاب يدعى ”مهزلة العقل البشري“ المنشور في عام 1959 م. ورد في مقدمة الكتاب ”اهدي هذا الكتاب لمن يفهمون ما يقرأون، واما اولئك الذين يقرأون ما هو مسطور في ادمغتهم فا لعياذ بالله منهم!“. ومعظم شباب مجتمعنا وشباب المجتمعات العربية الاخرى تاثرت بقراءة هذا الكتاب والذي يدعو الى استبدال كل النظم الاجتماعية القائمة بنظم اجتماعية غربية. احد اهم اسباب تلكم الدعوة التي اطلقها الوردي في احلال النظم الاجتماعية الغربية في مجتمعه العراقي والعربي هو استياءه من واقع مجتمعه المهلهل مقارنة بالواقع الجميل الذي شاهده في اثناء اكمال دراسته العليا في ولاية تكساس الامريكية آنذاك.

المحصلة، المجتمعات المنشطرة قد تجعل نسبة النفور لدى ابناءها الشباب في تصاعد وتراكم كبير. الوردي المنبهر بالصدمة الحضارية ايامذاك، تبنى اسلوب طلب النقل الكامل للتجربة الغربية وتاثر به بعض الشباب المعاصرين حتى الساعة بل وينادي حاليا به البعض علنا لتزايد معدل الاحباط لديهم من المشهد الاجتماعي. فهل لنا واياكم ان نبذل الجهود ونوصل الصوت للقيادات الروحية والعلمية في ادراج موضوع الاهلة بالحسابات الفلكية وكل ما يزيد من التماسك الاجتماعي واعادة النظر في المباني الفقهية التي قد تجعل افق الحلول مسدود.

الذي اتمنى ان اقوله بلغتي الكتابية البسيطة انا لست من اهل الاختصاص الا اني اؤمن بان استدراك الحلول أهم من ابراز المشاكل للتفرج عليها، وان فتح باب الحوارات المثمرة اهم من فرض بيان على بيان، وان الحفاظ على المجتمع هو عمل هادف وواجب اخلاقي في عنق كل منا.

اخيرا اختم كلامي باهداء: ”اهدي هذا المقال لمن يفهمون ما يقرأون ويحملون الكلام بحسن نية ويتجنبون تحميل المقال اكثر مما يتحمله. واما اولئك الذين يقرأون ما هو مسطور في ادمغتهم، فا سأل الله لي ولهم حسن العاقبة وجميل المُنقلب، فاني احبهم. فهم في البداية والنهاية ابناء مجتمع مسلم وامتداد لي واهل عزوتي واني احسن الظن بهم“.

ملحوظة :
فضلت ان تصل الفكرة قبل الاسم وتفعيل خاصية الحكمة القائلة: ”اسمع ما قيل وليس من قال“. ولارضاء فضول البعض عن اسم الكاتب فهو: م. أمير الصالح.
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
محمد العيسى
[ المملكة العربية السعودية ]: 13 / 5 / 2021م - 10:00 م
مقال جميل أخي العزيز بو عبدالله.. بورك فكرك وقلمك

وكالعادة، مقالاتك تبوح بما تحمله داخل قلبك من حرصٍ شديد على سلامة النسيج المجتمعي والحفاظ على المكتسبات الجميلة والخوف عليها من أن تنفرط كالسبحة..

أتمنى أن يكون هناك في قادم الأيام حلٌّ لهذه المشكلة المتفاقمة والتي لا أراها تزداد إلا ضراوةً مع الأيام..

تحياتي لك ولكل غيور على نمو وتماسك مجتمعه ومساهمٌ في ذلك بفكره وقلمه..

أخوك/ محمد العيسى