آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

الفلوس تغير - أكثر - النفوس!

بصراحة، لم أجد إلَّا القليل من الأمثالِ والحِكَم أصدق من هذا المثل، فكم من صاحبٍ عرفناه وبعد أن تضخَّمت محفظتة وازداد عددُ الأوراق الماليَّة والرِّيالات فيها تغير الصَّاحب، فلم يعد يعرفنا، ولم يعد يقيم لنا وزنا! وغير بعيد - لا سمحَ الله - لو كنتُ أنا مكانه وحصلتُ على ما حصلَ عليه لتغيَّرت.

لمن يظنّ أنّ هذا المثل غير صحيح، استعد شريطَ ذكريات من عاشرتَ من النَّاس، لابد انك عاشرتَ واحدًا أو أكثر ممن تغيَّرت أحواله وتغيَّر هو تبعًا لها! وبقي منهم الأصيل الذي لم تغيِّره المناصب ولم يبدِّله المال.

نعم، إنَّها الدَّراهم، رعاكَ الله يا صاح، تغيِّر الأحوال، وربَّ قائلٍ يقول: هي النّفوس كانت ضعيفة وقابلة للتغير قبل الدَّراهم! بلى، لكن هل يشتعل الحطب الجافّ الهشّ دون عود ثقاب؟ إنه المال، فكما يستطيع بسطَ الجبال، يستطيع قلبَ الرِّجال، اللّهم إلا القليل من أصحابِ النّفوسِ الرَّفيعة.

من منَّا لم يقرأ قصَّة قارون والمال؟ كيف قال: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى? عِلْمٍ عِندِي ، وكيف غيَّر المالُ ذلك الرَّجل الطيِّب الذي طلبَ من النبيّ محمد صلَّى اللهُ عليهِ وآله أن يدعو له بأن يكثرَ ماله وحلاله. ولما حصل على ما يريد، ماذا صنع؟ وغيرهما الكثير ممن غيَّرت الفلوسُ نفوسهم!

ورد في حديثٍ قدسيّ طويل ”وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك“. ليس الفقر عيبًا ولا الغنى فضيلة في حدِّ ذاتهما، ولكن قد يكون أحدهما شرًّا على من دخل فيه فجأة ودون مقدِّمات.

﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبادهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ ، إذ لو جعلَ اللهُ أرزاقنا تبعًا لرغباتنا وطموحاتنا من دون ضوابط، لتحركت فينا الأنانيَّة التي تدفعنا إلى الحصولِ على كلِّ شيءٍ لحسابنا من دون حسابٍ لمصالح الآخرين، لكن اللهَ راعى مصالحنا الطبيعيَّة وحاجَاتنا الحيويَّة بانسِجامٍ وتوازن.

اللهم اغننا بحلالكَ عن حرامك، وإذا أغنيتنا فلا تستدرجنا ولا تبتلنا فيما أعطيتنا.

مستشار أعلى هندسة بترول