آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

إعلانات ”ماشاء الله تبارك الله“

أثير السادة *

في هذه الأيام لم يعد يبحث الناس عن المنتجات في إعلانات الصحف والتلفاز، بل صاروا يقلبون مواقع التواصل ومشاهير السناب والانستغرام لاكتشاف العروض، والتعرف على محتوى المعروض في هذا المحل أو ذاك، استطاعت هذه الموجات الإعلانية من زحزحة امبراطوريات الإعلان، وقدمت بدلا منها وجوها تحاول تطويع الصورة واللغة والأداء الصوتي والجسدي للإيحاء بقوة المنتج هنا أو هناك.

ومن كرم هذه الموجة الجديدة أن فتحت الباب لصغار المعلنين، كما فتحت الباب لصغار المستثمرين، ستجد عربات الطعام مثلا الطريق مفتوحا عند المعلنين بمثل ما سيجده مطعم فاخر لا يقصده إلا الميسرون، وسينال نجوم الميديا والإعلام والدراما حظهم في هذه المساحة كمعلنين، كما سيناله المغامرون الصغار ممن رصيدهم لا يتعدى الشجاعة والتلاعب باللغة..

غير أن لغة هذه الإعلانات تجعلك في حيرة غالبا، لأن المعلن فلان على استعداد دائم لكيل المديح لأي محل سيدعى للإعلان عنه، تنفجر قريحة الشعر عنده وهو يعالج دموع الفرح لفخامة هذا المنتج، والطعم اللذيذ لذلك المطعم، والأسعار الساحرة لذلك المحل، هنالك استعداد دائم لجعل اللغة بديلا لفرشاة التعديل في برنامج الفوتوشوب، حيث تصبح وظيفة المعلن الكشف والستر معا، الصدق والكذب في آن، حين يقرر الإسهاب في الأوصاف، وجعل المديح يتهاطل كالمطر.. تعبر من أمام تلك الإعلانات بنية البحث عن خيارك الأفضل، فتجد نفسك في امتحان صعب للكشف عن الخداع، لا لشيء سوى هذا الاتفاق المبطن بين المعلن والمعلن عنه، في جعل البضاعة تتمدد على شريط رخيص من الكلام.

المبالغة في الوصف ليست خطيئة المعلنين الجدد فهي في صلب العملية التسويقية، غير أنها تحولت معهم إلى لون من ”الاحتيال الناعم“ على الناس، بحيث تتحول كفاءة المعلن إلى مسوغ للإيهام بكفاءة المنتج المعلن عنه، نراه بوضوح أكثر مما نرى المنتج، نتخيل المنتج بالطريقة التي يختارها لنا، فيما هو يظهر ويخفي ضمن لعبة يعتقد أنها تكفيه المساءلة الأخلاقية، فأفضل محل، وأحسن مطعم، وألذ طبق، وأرخص منتج، كلها أوصاف يعلم المعلن بأنها رسائل لا تجد لها قاعدة صلبة لتقف عليها، بمثل ما سيتذرع في حال محاصرته بأن المسائل ذوقية وأنها من تصنع الفارق في التوقعات عند الناس!.

لقد نجح هؤلاء المسوقون الجدد في محاصرتنا بإعلاناتهم، كما نجحوا في دفع التجار والمحلات للإتكاء عليهم، وهذا ليس من باب الحسد، لهم أن يحققوا ما يشاؤون من أمنياتهم في هذه الحياة، غير أنه لنا أمنية صغيرة، أن يتريثوا قليلا حين يدعون للإعلان عن منتج ما، أن لا يتحول كرمهم في إطلاق الأوصاف إلى ضحك على الذقون، ولا منصة لإطلاق الصواريخ، وأن يتركوا هامشا للتسويق الأخلاقي، والذي يحمي الناس من الخداع والغش والتضليل من جهة، وينحاز لما فيه راحتهم وسلامتهم وصحتهم وقبل ذلك صيانة لجيوبهم.