آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:14 م

النظام العربي ونكسة حزيران

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

أربعة وخمسون عاماً، مرت منذ حدثت نكسة الخامس من يونيو/حزيران 1967؛ حيث هُزمت ثلاثة جيوش عربية، أمام عدوان «إسرائيل»، واحتلت البقية الباقية من فلسطين: مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وفقدت مصر سيناء بالكامل، كما فقدت سوريا هضبة الجولان. ولا تزال تبعات النكسة ماثلة أمامنا، في استمرار احتلال الجولان، والضفة والقطاع والقدس، وحرمان اللاجئين الفلسطينيين من حق العودة إلى ديارهم.

وبالعودة إلى الوراء، يمكن القول، إن نتائج حرب يونيو/حزيران بدت مفاجئة للعرب، وللعالم بأسره؛ لكن القراءة الدقيقة لما جرى، توضح أن الوضع العربي، سواء على مستوى بلدان المواجهة، أو على مستوى العلاقات العربية العربية، لم يكن سينتهي بغير النتائج الكارثية التي بلغها.

وليس صحيحاً، أن العرب خسروا الحرب؛ لأن طيران «إسرائيل»، وجه ضربة قاصمة، للطيران المصري، فالحرب لم تكن مفاجئة لأحد. وكل الظروف كانت تشي بأنها قادمة وقريبة لا محالة. دليل ذلك هو التحشد العسكري المصري الضخم في شرم الشيخ، وإغلاق مضائق تيران.

وإذا سلمنا، بوجود تعويل كبير، لدى مصر، على الحلول الدبلوماسية؛ نتيجة وعود أمريكية، وسوفييتية، بلغت حد التعهد بأن «إسرائيل» لن تكون البادئة بالحرب، فماذا عن الجبهتين السورية والأردنية؛ حيث علما بالهجوم على مصر، قبل ساعات، من بدئه على أراضيهما.

الخلل في هذا السياق؛ هو أن بلدان المواجهة العربية، على الرغم من مرور أكثر من عقدين على الصراع في حينه، لم تكن متحسبة لاحتمالات حرب كبرى، كالتي حدثت في يونيو/ حزيران. وكانت تعول كثيراً، على التدخلات الدولية؛ لفض الاشتباك وهو في المهد؛ لذلك فشل الرد العسكري، على العدوان في الجبهات الثلاث.

بالنسبة لبقية البلدان العربية، فإنه على الرغم مما يجري الحديث فيه، عن تضامن ومعاهدة دفاع مشترك، فإن علاقاتها أثناء الحروب العربية - «الإسرائيلية» هي علاقة «فزعة». والوقت القصير للحروب التي شنتها «إسرائيل» على العرب، لم يتح لها استكمال الاستعداد العسكري، وتقديم الدعم للأشقاء. فكانت الجيوش المساندة، تصل في الأغلب، بعد إعلان وقف إطلاق النار، وانتهاء الحرب، إلا في استثناءات نادرة أثناء معركة العبور عام 1973، التي خاضها الجيشان المصري والسوري؛ لاسترجاع الأراضي الخاصة ببلديهما، والتي تم احتلالها في حرب يونيو/ حزيران 1967.

وبدهي القول، إن العرب لم يمتلكوا، منذ بداية الاستقلال السياسي، حتى يومنا هذا استراتيجية ودليلَ عمل واضحاً، يحكم علاقة التضامن والوحدة فيما بينهم، بما يحقق المصالح المشتركة لأبناء الأمة العربية، ويحمي أوطانهم.

ومما لا شك فيه أن التفاوت الزمني في الحصول على الاستقلال؛ ترك آثاره السلبية في غياب هذه الاستراتيجية، وبالتالي على التضامن والتنسيق والتكامل بين الأقطار العربية، فقد جرى تشكيل مؤسسات وهياكل الدولة في تلك الأقطار، على أسس محلية، ومن دون تصور استراتيجي بعيد المدى، يأخذ بعين الاعتبار حقيقة ارتباط هذه البلدان بوطن أكبر؛ هو الأمة العربية.

وقد غيّب ذلك إمكانية تحقيق التكامل العسكري والاقتصادي والسياسي، بين تلك الأقطار. وهكذا، أصبح النظام العربي تائهاً في لجة الأحداث التي عصفت بالمنطقة، أثناء وبعد حرب يونيو/ حزيران، وجعلت من المستعصي عليه صياغة برنامج متماسك، ينظم العلاقات فيما بين دوله.

ولا شك أن استعار الحرب الباردة، واتخاذها من منطقتنا ساحة لصراع عقدي واستراتيجي بين القوى العظمى؛ أسهم في تمزيق اللحمة، وتأجيج الخلافات بين الحكومات العربية، وتغييب الرؤية المشتركة لطبيعة الصراع، وسبل مواجهة الاحتلال، حين انقسمت الحكومات العربية في الولاء، تجاه هذا الفريق أو ذاك.

كما أن العلاقات بين الأنظمة العربية وشعوبها، هي علاقات تغيب فيها دولة المؤسسات، وتنعدم فيها الهياكل الاجتماعية الحديثة. والعلاقات العربية - العربية هي الأخرى ظلت محكومة بهذا النمط من العلاقات. وليس من الصعب على المتتبع للواقع العربي، أن يدرك حجم المآسي التي عاناها المواطن العربي، العادي جداً؛ نتيجة لانهيار العلاقات الخاصة بين الأقطار العربية.

وللأسف فإن الحالات التي تم فيها ترميم الجسور، وعودة العلاقات بين الحكومات إلى مجاريها، قد حدثت بفعل ضغوط خارجية، وليس بمبادرات عربية ذاتية.

إن جملة من التغييرات الجوهرية مطلوب إحداثها بشكل مُلح في العلاقات العربية العربية، يأتي في المقدمة منها إيجاد علاقة مستدامة، قادرة على الصمود في وجه الرياح والأعاصير، وغير خاضعة للتقلبات السياسية المحلية، تأخذ بعين الاعتبار مجموعة من الثوابت؛ أهمها: التعادل والتكافؤ والتبادلية والمصالح المشتركة لشعوب هذه المنطقة.