آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

أما في بياضِ الشَّيبِ حلمٌ لأحمق؟ - سلسلة خواطر في أوانها

ما يثار من نكاتٍ ومقاطع هزليَّة عن المتقاعد والتّقاعد ترسم صورةً نمطيَّة سيِّئة عن ذلك الرَّجل أو المرأة - ويساهم فيها للأسف بعضهم - بأنه إنسانٌ فارغٌ من الهمومِ كلها، لا شغل له ولا عمل إلا النطّ والقفز والنقار مع زوجه. وهذا غير صحيح، وإن صحّ في بعضِ الأحيان لا يعمم على شخصيَّة ومهامّ الكثير من هذه الشَّريحة الاجتماعيَّة الجادّة في أغلبها والمشغولة أكثر مما كانت عليه أيَّام الوظيفة الرسميَّة بين السَّاعةَ السَّابعة صباحًا والرابعة مساءً.

على من تقرأ زبوركَ يا داوود؟ فإذا كان قسمٌ من هذه الشَّريحة النَّاضجة العاقلة التي لا تزال تحمل همَّ أسرتها، بل بعضٌ منها كبر همّه الاجتماعيّ والاقتصاديّ وصار يتطوّع ويتبرّع ويساهم بوقته وماله، يصوّرها بأنها شخصيَّة - فقط - مرحة لحدّ السَّذاجة تنتظر النكتة والضحكة الغير لائقة، لا غير. ثم باقي الوقت يضيع في الفراغ؟ الحياة تحتاج شيئًا من الرَّاحة والترفيه، وليس محرَّمًا على المتقاعد أن يرفِّه عن نفسه وينفِّس ضغوطه اليوميّة والصحيَّة، وهذا من العقل. لكن الذي لا يصحّ أن يكون التَّرفيه خاليًا من كلِّ هدف سوى بثّ مقطع مصوَّر، لا يفعله الصِّبية الصغار!

أما في بياضِ الشَّيب حلمٌ لأحمقِ **** بأَن يتلافى من لياليهِ ما بقِي؟

وكما يقول المثلُ الشعبيّ: رِجل في الدّنيا ورِجل في الآخرة، لهذا فالصورة النمطيَّة التي يجب أن تكون للمتقَاعد - والذي عليه أن يرسمها هو عن نفسه قبلَ غيره - أنه كنزٌ وذخيرة وطنيّة يبني ويعلِّم ويمرِّر الشّعلة النورانيَّة لمن بعده، ولا بأسَ أن تكون هذه الصّورة فيها شيء من البهجةِ والدّعابة وخفّة الرّوح!

لمن لا يعرف قيمة الوقت: اسأل الموتى عن الوقت وماذا يتمنون أن يفعلون به وفيه لو عادوا للحياةِ من جديد! أجزم أنهم كلهم يقولون: يا ليتَ لنا أن نعود من هذا السِّجن المظلم، فإما نزداد من طاعة أو نتخفف من معصية!

مستشار أعلى هندسة بترول