آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

أغلى دُرَّاعة في التَّاريخ - سلسلة خواطر في أوانها

ثوب، أو كما تسمِّيها العربُ قديمًا ”دُرّاعة“، عاديَّة جدًّا من الصّوف مشقوقة المقدّم، لا من الحرير ولا من الخيوطِ المذهبَّة، والغريب أن صاحبها رقَّعها من كثرةِ ما لبسها وبان فيها الشّقوق ونصحه بعضُ النَّاسِ أن يرميها، وهو يصرّ أن يلبسها! هذه الدُّراعة لو وُجدت اليوم لكان كلُّ خيطٍ فيها يساوي مليارا، وأظن أنها سوف تُحفظ في المتحف ولا يستطيع أحدٌ الحصول عليها. هذا ما قاله صاحبُ هذه الدُرَّاعة عنها وعن نفسه: ”وَاللهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا، وَلَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ: أَلاَ تَنْبِذُهَا عَنْكَ؟ فَقُلْتُ: اغْرُبْ عَنِّي، فَعِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى“.

كل هذا الجمال والغلاء في هذه الدُرَّاعة لأن من لبسها كان الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام، فالناس صنفان: واحد يتزين في اللِّباس وآخر هو من يُزين اللِّباس، وهذا هو ابن أبي طالب عليه السَّلام. وإذا كان من شكّ في قيمة هذه الدُرَّاعة فقد قال أبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني عن جُبَّة أهداها الإمامُ الرِّضا عليه السَّلام للشاعر دعبل الخزاعي: قصد دعبل بن عليّ الخزاعي بقصيدتِه التائيّة الإمامَ عليّ بن موسى الرِّضا عليه السَّلام بخراسان فأعطاه عشرةَ آلاف درهم من الدَّراهم المضروبة باسمه، وخلع عليه خلعةً من ثيابه، فأعطاه بها أهلُ قم ثلاثينَ ألفَ درهم، فلم يبعها فقطعوا عليه الطريقَ فأخذوها، فقال لهم: إنها تُرادُ للهِ عزّ وجل وهي محرمةٌ عليكم فحلفَ أن لا يبيعها أو يعطونه بعضها، فيكون في كفنه فأعطوه فردَ كُمّ كان في أكفانه.

أصارحكم، أن هذه النَّماذج الإنسانيَّة تستحق الشّكر والتَّقدير، في ظلِّ الواقع الحاضر الذي يقدر اللِّباس فوق الشخصيَّة والشَّهامة وفوقَ الذِّكر الجميل. لباس أجسادنا الماديّ يزيننا، يضيف إلى شخصيتنا جلالًا وبهاءً ويستر عيوبنا الجسمانيَّة، أما لباسنا المعنوي فهو التَّقوى في داخلنا.

مستشار أعلى هندسة بترول