آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

إن لم تكن مُنصِفا فكُن حيادياً في مواقِفك

جمال حسن المطوع

لَكَم تمنيت ألا أتطرق إلى مِثل هذه المواضيع الحساسة لكن الظروف بعض الأحيان تُحتم عليك إبداء وِجهة نظرك حتى لا تُحسَب على هذا الطرف أو ذاك لأن «الإنصاف» ومعناه اللغوي هو:

«لا سبيل إلى إنصاف مُخالِفك في الرأي إلا أن تستمع إليه وترى ما عنده»

وهو عُملة نادِرة في هذا الزمان ويتطلب شجاعة نادرة وإقدام جسور وهو أمر يصعب تحقيقه وبعيد المنال في حاضِرنا اليوم نتيجة تشابك المصالح وعُمق العلاقات والتحابي الواضح وعندما يدور النِقاش لأمر ما ينفرد أحد المُتحاورين ويصر على رأيه وهنا سيولد جواً مشحوناً مِن التوتُرات الكلامية والفِكر والفِكر المُضاد والذي قد يخرج عن نِطاق المألوف المتعارف عليه فيشعل حرباً سفسطائية ليس لها أول ولا أخر ونحن في غنى عن كل ذلك.

لو أخذنا الأمور على بَسَاطتها وأريحيتها من غير تعقيد أو إصرار وكُل منا تقبل الآخر في رأيه ومعتقده لسكبنا ماء باردا على الحِوار ولخرجنا بنتيجة وحصيلة من تجادب الأفكار وتنوعها، لأثرت النقاش وساد الود بين الجميع.

ولكن للأسف الشديد أنما نشهده هو عكس الواقع وانقلاب الصورة وهو أمر مؤلم نعيشه هذه الأيام فترى بعضنا يصول ويجول في تثبيت فِكرة يتبناها ويصر عليها ويستشهد بِأنَاس يتعاطفون معه مع علمهم كل العلم إن الفكرة المطروحة فيها أخذ ورد واختلاف في الاجتهادات بل يعطونه الضوء الأخضر في تبنيها والإشادة بها مما لا يتركون مجالاً للأخرين في مُناقشتها بل تُقفل كل الأبواب في وجه من يبدي وجهة نظر مغايرة لما يتم طرحه.

هنا يضيع الإنصاف فيصبح في مهب الريح بل حتى الحيادية لا وجود لها مما يولد مناخا من التوتُرات وإثبات الذات والفِكر والفكر المضاد وهذا الأمر لا يخلق واقعا صحياً في تقوية العلاقات الأُسرية والاجتماعية بحيث كلُ يجر النار إلى قرصه مما يُوَلِد فُرصة للتعنت الفكري والتعالي المعرفي الذي سينخر في العلاقات الاجتماعية وروابطها ويؤدي بها إلى برود في الارتباطات الأخوية والتباعد الأسري جراء هذه المناقشات العقيمة إذا خرجت عن أهدافها والتي لا رجاء منها، حيثُ يَعْلَق في نظر بعض الأطراف أنها هضم حقها وضاعت حتى الحيادية الإيجابية المطلوبة في حين أنها كانت تتوقع أن ينتصر الإنصاف ما بين المتحاورين ويأخذ كُل ذي حَقٍ حقه في التوجهات والأفكار التي يراها ويعتقد بها دون أن يؤدي ذلك إلى الشتات الفِكري بل تنعدم فيه حتى الحيادية التي هي أقل الضررين لمنع التشابك وفض الاختلاف فكن حِيادياً إيجابياً على أقل تقدير.