آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

السنونة وقناع السخرية

عنوان الإصدار: أقنعة من لحم 

الكاتب: حسين السنونة

الناشر: نادي المدينة الأدبي 2021

في إصداره ”أقنعة من لحم“ لا يخلع القاص حسين السنونة عباءة السخرية عن لغته حتى يعيدها ثانية، في نصوص تغرف من الهموم اليومية والمفارقات الاجتماعية والسياسية، فتعيد عجنها وطحنها، تدويرها ورفعها، لتبدو في صورة فاقعة، مختصرة بذلك الطريق إلى روح التهكم التي تغلب على مجمل كتابات السنونة.

كل نص في هذا الإصدار هو امتداد لصورة حكواتي يشاغب روح القاص، فيدوزن إيقاع الحدث في هيكل القصة هنا وهناك، حكواتي يجلسنا أمام شخوصه وهو يحركها كدمى ويأخذها للاصطفاف أمام مرايا الوقت، لتبوح بأسرارها وتمنح الأقصوصة شرطها الفني، حيث التأرجح الدائم ما بين المونولوجات الطويلة والهذيانات العابرة يكاد يطيح بخيط القصة الرفيع والذي يحافظ عليه في شكل انعطافات درامية لازمة للتذكير بالمظهر القصصي للنص.

لغة السنونة مباشرة وصريحة، تشعر وكأنها منقوعة في ماء البرك الآسنة، بها من الهجاء بقدر ما بها من السخرية، وبها من الشماتة بقدر ما بها من لحظات الحب، فيما التذمر يحتل مساحة شاسعة من حدود النصوص ونواياها.. تراه يعاتب علناً ملك الموت لقبضه روح صديقه المغترب وهو يصرخ به أن يذهب لخطف أرواح أبناء رؤساء الدول والوزراء والتجار الجشعين، ويرفع من سقف السخرية إلى مستوى ”نيسيني“ في ”ترانيم مواطن لا يتحرك“ حين يقرر المواطن الوقوف دون حركة بعد يأسه من كل الخيارات!، وفي ”صرخة طينية“ حيث تستحيل الحفرة هي المساحة الوحيدة للبوح والاحتجاج، في الوقت الذي ينتصر فيه للحب في ”الحب يجب ما قبله“ و”ورد وماء“ و”أشتاق للعناق فأستيقظ“.

الراوي في هذا الإصدار يقتص حتى من نفسه في حصص التهكم، فهو يسخر من اسمه وقدره، من أحلامه وخيالاته، ومن وجهه الذي يصبح وجه كلب في المرايا، ومن المشاكل العائلية والرومانسية الهاربة، ليدس في الإصدار روح الحطيئة جنباً إلى جنب مع روح عزيز نيسين، ومحمد الماغوط، من الذين أحالوا السخرية على الواقع لعبا جماليا وضربا من ضروب الوعي.

هي لذلك مجموعة قصصية تراهن على الأسلوب أكثر من اللغة، لا تغامر في تقنيات السرد، ولا تسرف في الوصف، لا تعرف تعددية الأصوات لأنها تأتي غالباً في صورة السارد التقليدي الذي يعرف كل شيء ويقول كل شيء نيابة عن شخوصه، دون أن يعني ذلك غياب المحاولات الجادة في الخروج عن عموم النمط السردي داخل الإصدار، كما في قصة ”أمي تلعن النجوم“ التي تستدرجك في بنائها ووصفها إلى محطة مختلفة في تجارب السنونة.

وبس.