آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

في الحاجة إلى العزلة

خديجة مكي آل جويل

قيل قديمًا: «نصف الراحة في العزلة عن الناس»، وقد يراها البعض الراحة كلّها وليس نصفها.

ويقول دستويفسكي: «العزلة زاوية صغيرة يقف فيها المرء أمام العقل».

وإذا وقف أمام عقله بدأ في هذه الحال مراجعة كلّ حسابات الماضي.

وإنّ أيّ شخص يعتزل الناس لمدة ما فلا بُدّ له من الاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين للولوج إلى فضاء أوسع وللوقوف على أشياء لم تتحقّق بعد.

حيث إنه في حالة الاعتزال هذه يجد الإنسان راحته النفسية والانسجام مع ذاته وتجديد نشاطه وطاقته النفسية والفكرية بشكل أوسع بعيدًا عن صخب الحياة ومشاكلها التي لا تنتهي.

فالعزلة لبعض الوقت عن الناس تجنّبنا الكثير من تفاهات الآخرين، مثل: الغيبة، والنميمة، والقيل والقال، وكثرة السؤال، والفتن، وسوء الظنّ بالناس.

وفي الوقت ذاته تبعدنا عن الخوض في أعراض الآخرين ومشاكلهم والتدخل في خصوصياتهم التي لا ينبغي لنا الخوض فيها.

كما أنّ الاعتزال عن الآخرين يعطينا فرصة لمحاسبة أنفسنا في تقصيرها مع الله عزّ وجلّ فنقترب منه أكثر وذلك بتخصيص وقت لتلاوة القرآن الكريم والتدبّر في آياته ومعانيها والتوقف عند أوامره ونواهيه بشكل أوسع.

كما نتأمل في آياته وفي عظمة الله سبحانه. ويمكننا تخصيص وقت للتدبّر والحفظ.

والعزلة غير محدّدة بعمر أو شخص دون آخر، فهي فرصة تتاح لنا قراءة بعض الكتب الدينية والثقافية والتاريخية لنزداد معرفة ننتفع منها في حياتنا وخبراتنا ومهاراتنا على نطاق أوسع.

وإذا قيل إنّ: «العزلة هي بيت سلام» ففي اعتزال الناس لبعض الوقت يتاح لنا ايضًا التفرغ لممارسة بعض الهوايات التي قد أهملناها منذ زمن بعيد، مثل الرسم أو النحت أو الرسم على الزجاج أو ممارسة الكتابة والقراءة ونظم الشعر والعزف على الآلات الموسيقية وكذلك سماع الموسيقى الكلاسيكية وغيرها.

ليست هذه دعوة للاعتزال المستمر، فالاعتزال الدائم للناس أمر منبوذ ومذموم والشرع ينهى عنه كما أنه لا يتلاءم فطرة الإنسان الكائن الاجتماعي.

فلا أحد يقدر أن يستغني عن المجتمع والناس، ولكن المقصود هو العزلة لبعض الوقت فقط.

ولكن يبقى لكلّ شيء وسطية، والاعتدال في كلّ شيء واجب، فكما هو الحال يحتاج الجسم لراحة بأخذ إجازة سنوية، فالروح أيضًا بحاجة إلى راحة من ترّهات الحياة، فالنفس تتعب كما يتعب الجسم.

والصمت عن بعض البشر خير وراحة لنا ولقلوبنا، وقليل من العزلة خير وبركة لنفوسنا لتجديد نشاطها لتكون أكثر فاعلية بعيدًا عن مشاكل الحياة ومتاعبها التي لا حدود لها أبدًا.

وكلٌّ منّا في هذه الحياة يأخذ سنويًّا إجازة لمدة شهر يكون فيها بعيدًا عن العمل والناس وصخب الحياة، وهذا دليل على أنّ الإنسان مهيأ ليأخذ الإجازة ليريح جسمه وروحه من تعب عام كامل.