آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

مسيرة السعوديات في أرامكو

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

إن مسيرة السعوديات هذه هي مثالٌ على العزيمة الذاتية، والطموح، والشغف بالعلم والعمل، وأيضاً الرغبة في إثبات الذات، والتأكيد على أن المرأة ليست أقل شأناً من الرجل، وأنها إذا أزيحت من أمامها العقبات المصطنعة، فبمقدورها أن تكون مهندسة ومديرة ورئيسة على قدرٍ كبير من المهنية والكفاءة وحُسنِ التنظيم...

بالرغم من أن شركة ”أرامكو“ كانت بيئة أكثر انفتاحاً وتعددية ثقافية من سواها من الشركات الأخرى في السعودية، حين نشأتها، إلا أن الطريق نحو تمكين النساء فيها لم يكن سهلاً، ولم يكن معبداً بالورود!

نجاة الحسيني، أول امرأة سعودية عملت في ”أرامكو“، اضطرت حينها لتتمكن من الحصول على الوظيفة أن تنالَ إذناً من الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز، حيث ”لم تكن هناك قوانين لتوظيف السيدات السعوديات إبان ذلك الوقت، لكنها من خلال ممارسة عملها بالعزيمة والدافعية المهنية في العمل، خاصة أنها كانت المرأة السعودية الوحيدة، ضمن منظومة متعددة من زميلاتها الأميركيات اللواتي يعملن في قطاع السكرتارية والصحة“، كما جاء في حديث شقيقها سداد الحسيني لموقع ”العربية. نت“.

نائلة موصلي، كانت أول مهندسة سعودية في الشركة، حيث درست هندسة البترول، وعُينت العام 1980، أي بعد 47 عاماً من تأسيس ”أرامكو“.

فاطمة حسن العوامي، درست هي الأخرى ”الهندسة البترولية“، لتكون الثانية بعد موصلي، فيما جاءت آمال باقر العوامي لتكون المهندسة الثالثة، حيث تخصصت في الكيمياء. وهؤلاء الثلاث بقدر ما كانت لديهن عزيمة قوية، كانت هنالك بيئة عائلية داعمة لهن ولطموحهن، وسافرن للخارج وتعلمن بجدٍ وشجاعة.

هنالك سعوديات درسن في المملكة، وسعين إلى أن يثبتن ذواتهن، وألا يبقين ضمن القوالب النمطية التي اعتاد المجتمع أن يضع النساء فيها.

واحدة من هؤلاء أميرة المصطفى، التي تخصصت في ”الفيزياء“، وحصلت على درجة البكالوريوس من ”جامعة الملك عبدالعزيز“، و”عندما عادت أميرة إلى المنطقة الشرقية بعد التخرج تحولت في أول سنة لها في أرامكو السعودية إلى دائرة التنقيب عن البترول“، وفق تقرير عن تجربتها نشرته مجلة ”القافلة“، حيث تشتغل المصطفى ”أخصائية جيوفيزيائية بدائرة الاستكشاف والعمليات، وتعمل على تحليل وتجهيز المعلومات والخرائط“.

الحسيني، موصلي، العوامي، المصطفى.. هن نماذج لسعوديات، يستحقن أن يُعمل عنهم أكثر من فيلم وثائقي، لتروى جزء من سيرة التطور الاجتماعي والثقافي في السعودية، لأن قصصهن بقدر ما فيها من تفاصيل شخصية وجوانب ذاتية، إلا أنها حكاية أكثر من جيل، وسيرة عن النساء في المملكة، والفتيات الطموحات اللواتي لم يخترن الطريق الأسهل بأن يكن مجرد ربات بيوت أو أمهات، وإنما غيرن من أقدارهن، وساهمن في تغيير مستقبل سواهن من النساء اللواتي تأثرن بتجاربهن الملهمة.

الأمانة التاريخية تقتضي الإشارة إلى أن شركة ”أرامكو“ لم يكن لديها في البدايات مهندسات أجنبيات. فيما المهندسات السعوديات كان عددهن يحسبُ على اليد الواحدة!

كانت هنالك فقط مهندسة أجنبية واحدة، أميركية الجنسية، جاءت لـ ”أرامكو“ كزوجة أحد العاملين في الشركة، وليست كموظفة، كما يروي العارفون بتاريخ الشركة العملاقة.

بعد العام 2003 والقبول النسبي لوجود المرأة في أروقة الشركة وأقسامها المختلفة، رغبت ”أرامكو“ في توظيف مهندسات سعوديات، إلا أنهن كُن نادرات، ما اضطر الشركة إلى أن تقدم عروضَ عملٍ مغرية من أجل جذب الكفاءات الهندسية السعودية النسائية.

مع تقدم الوقت، والتطورات التي حصلت في المجتمع المحلي، جرت نقاشات داخل ”أرامكو“، فتحت الباب تالياً لأن يتم ابتعاثُ فتياتٍ سعوديات لدراسة الهندسة البترولية في الولايات المتحدة، ليعودوا بعدها إلى العمل في الشركة، وهو الأمر الذي ساعد على زيادة نسبة المهندسات وتعزيز خبراتهن.

إن مسيرة السعوديات هذه هي مثالٌ على العزيمة الذاتية، والطموح، والشغف بالعلم والعمل، وأيضاً الرغبة في إثبات الذات، والتأكيد على أن المرأة ليست أقل شأناً من الرجل، وأنها إذا أزيحت من أمامها العقبات المصطنعة، فبمقدورها أن تكون مهندسة ومديرة ورئيسة على قدرٍ كبير من المهنية والكفاءة وحُسنِ التنظيم؛ وهي الفرص التي جاءت ”رؤية 2030“ لتفتح بابها واسعاً أمام السعوديات، لترفع عن كواهلهن ثقلاً أرهقهنَ لسنوات طويلة.