آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 8:45 ص

هل أنت ممن يقول «كَسرت الكوب» أم «إنكسر الكوب»؟

عصام المرهون

في عام 2012 وبعد أربع سنوات من فرض حركة طالبان سيطرتها على وادي سوات الواقع في أقصى شمال شرق باكستان، والتي خلالها تم فرض أجندتهم المتطرفة حيث لا تلفزيون ولا أفلام ولا خروج للمرأة من بيتها ولا مدارس للفتيات... تقدم مجموعة من المسلحين وصعدوا الباص العائد المدرسة وسألوا: ”أين هيَ ملالا؟“ قولو لنا وإلا أطلقنا عليكم النار جميعاً - نهضت ملالا معرفة بنفسها، فتقدم أحد المسلحين وأطلق النار على رأسها ومضى.

ملالا يوسفزاي، والتي كانت تبلغ من العمر 14 عام آنذاك، كانت معارضة لنظام طالبان وكانت تتحدث على الملأ وعلى الإنترنت عن عدم أحقية حركة طالبان منعها من الذهاب إلى المدرسة، والرصاصة التي تلقتها أدخلتها في غيبوبه، ولكنها أفاقت بعدها لتواصل نضالاً أكثر جرأة وليصبح صوتها مسموعاً أكثر من ذي قبل للعالم أجمع عما كانت تتحدث عنه ضد العنف والقمع الواقعين على النساء في بعض البلاد الإسلامية، حيث حصلت على جائزة نوبل للسلام وكتبها اصبحت الأكثر مبيعاً حول العالم.

لماذا يصعب علينا أن نقول ”أنا من فعل هذا“؟ ”أنا من ارتكب هذا الخطأ“ لماذا من الصعب الاعتراف بالخطأ وتقبل النقد؟ خصوصاً حين يوجه لنا السؤال وتفوح منه رائحة الاستنكار، لماذا ينتابنا الخوف من تحمل المسؤولية؟ ولماذا لا تكون لدينا الشجاعة الكافية للاعتراف في مواقف بسيطة لا يكون فيها مسدساً مصوباً إلى رؤسنا ولا نُقارن بالموقف الذي واجهت ملالا والذي ابدت فيه شجاعة بالغة بالنسبة لفتاة في مثل عمرها.

عندما أوجه سؤالاً لطفلي ذو العامين بأن من كتبَ على الجدار أو من أحدث هذه الفوضى؟ يجاوبني بكل ثقة ”أنا“ وعندما أُعقب بقولي بأنك طفل كسلان وتستحق العقاب - يجاوبني مباشرة ”نعم“، تستوقفني الشجاعة البالغة لدى الأطفال وعدم الخوف واستطرد فيما يؤكِده علماء السلوك بأن الخوف شيء مكتسب وغير فطري لأتأمل فيما هو الخلل في نشأتنا الذي يدفعنا لعدم الشجاعة في قول - أنا من فعل ذلك.

ولا ننسى بأن الاعتراف بالخطأ يحتاج أولاً إلى الثقة بالنفس وليس الشجاعة، فكلما زادت ثقة الإنسان بنفسه كلما زادت إمكانيته للاعتراف بالخطأ والعكس صحيح. ونقص الثقة بالنفس من يتسبب به على الأغلب هو البيت والمجتمع، والذي يقود الشخص للقيام بالهروب أو بأعمال جبانه من قبيل - إخفاء الخطأ الذي ارتكبه سريعاً قبل أن يراه الآخرون للهروب من مواجهتهم، أو الانقياد لتحديد السلوك والتوجه مبنياً على ما يراه ويحبه الآخرين، وتجنب المخاطرة للخوف من الفشل، أو أن يكون دائم المقارنة لنفسه مع الآخرين والإحساس بقلة الشأن والأهمية.

كما وأن الإفراط بالثقة بالنفس أيضاً يؤدي إلى نفس النتيجة. كما يُعبر عنه ”بتأثير دينينغ كروجر“ وهو مبني على ورقة بحثت قُدمت بعام 1999 لعالم النفس ديفيد دينينغ وجوستين كروجر - والتي مفادها: بأنه انحياز سلوكي يظهر عندما يعتقد الفرد بأنه أكثر ذكاء وقدرة مما هوَ عليه بالفعل، وذلك نتيجة المبالغة في تقدير مستويات مهاراته، والفشل في تحديد نقاط ضعفه والعمل على معالجتها. والذي من شأنه ألا يقود لعدم الشجاعة بالاعتراف بالخطأ فقط. بل يقود غالباً إلى لوم ولصق المسؤولية على الآخرين واتهامهم جُبناً بِوزر هذا الخطأ.

بالرغم من أن الأخطاء تختلف في درجاتها وطريقة معالجتها، والأخطاء الفردية ربما تكون أصعب من الأخطاء الجماعية، حيث بالأخير يقع اللوم على مجموعة من الأشخاص وليس فرداً واحداً، وربما يكون من الصعب والمحرج أن نكون شفافين أثناء وقوع الخطأ ومن المهم عدم لوم الآخرين والتحلي بالشجاعة للاعتراف بالخطأ وضبط ردة الفعل وكيفية التعلم منه، فغالباً ما تكون ردات الفعل أثناء ارتكاب الخطأ مبالغ فيها وبالأثر الذي سوف يخلفه وبالتالي نغفل النظر والاستفادة من الايجابيات او الدروس المستفادة من هذا الخطأ. وهذا تماماً هوَ منهج الناجحين والقادة حيث بعد الاعتراف بالخطأ وتقديم الاعتذار اللائق يبدأ الناجحون مباشرة في إظهار تغيير السلوك بعد ارتكاب الخطأ وتطبيق ما تم تعلمه من الخطأ في مسارات تحقق إنتاجية وفاعلية ليس في ضمان عدم تكراره وحسب بكل في ابتكار آلية تحد من وقوعه مستقبلاً سواء بالنسبة لنفس الشخص أو الأشخاص الآخرين.

كما ينقل الكاتب ماثيو سيد في كتاب ”عقلية الصندوق الأسود“ Black Box Thinking بأن السبب الذي جعل النقل الجوي هو وسيلة النقل الأكثر أماناً في العالم هو أن هذا القطاع لديه آلية ممنهجة للتحقيق بكل خطأ وبكل كارثة تقع بكل شفافية وكل وضوح، ولا مجال للغش أو التلاعب والفساد في ذلك مما يحدد السبب والمسؤول عنه بكل دقة لغرض تلافيه وعدم تكراره مرة أخرى لضمان سلامة الآف المسافرين جواً، وهذا على نقيض الأخطاء التي تقع في القطاع الطبي على مستوى العالم والتي ما زلت تفتك بالكثير من الأرواح سنوياً، وذلك لعدم قدرة القطاع الطبي من وضع منهج واضح للاعتراف بالخطأ.