القطيف.. ”بثينة“ أول شابة ”تعترف“ بمرضها النفسي علنا «فيديو»
- وتقول قررت أن أكون صوتا لمثيلاتي اللاتي يعانين المرض النفسي.
- وتضيف ان عائلتها كانت السند الأول في رحلتها مع المرض.
- سردت تجربتها في فيديو بلغت مشاهداته 400 الف مشاهدة خلال أيام.
أمام مجتمع يميل إلى اعتبار المرض النفسي ضربا من الجنون والعيب أو المسّ الشيطاني، اختارت شابة جامعية بشجاعة عرض تجربتها مع المرض وسرد رحلتها العلاجية في المصحة النفسية عبر فيديو مصور في سابقة هي الأولى من نوعها في محافظة القطيف.
وفيما يشبه الصدمة ألقت باعترافها في مستهل الفيديو المصور قائلة ”أنا مريضة نفسياً، أعرف أن هذه العبارة تستخدم كإهانة، ولكن اليوم سأستخدمها كمصدر قوة لي“ تلك كانت كلمات بثينة شروفنا التي تهدف من خلال سرد قصتها على الملأ إلى تشجيع من يعانون من المرض إلى طلب العلاج المرضى دون خجل.
ولدت بثينة شروفنا ”21 سنة“ في عائلة قطيفية متفهمة لحالتها الصحية، فهي مصابة باضطراب ثنائي القطب، ولكنها خارج هذه الدائرة امتنعت عن هذا الاعتراف لسنوات.
ومن غير المعتاد في المجتمع العربي ظهور المريض النفسي ناقلا تجربته دون اخفاء هويته، فقد جلست ”بثينة“ أمام كاميرتها صوتا وصورة معلنة عن اسمها واسم عائلتها الحقيقي، وبثت تسجيلا من 12 دقيقة على قناتها في ”يوتيوب“، والذي بلغت مشاهداته ما يقارب 400 ألف مشاهدة حتى اللحظة.
وفي لقاء مع ”جهينة الإخبارية“، قالت بثينة: ”أظن أن هنالك العديد من المرضى النفسيين الذين يتلقون العلاج بدون أن يخبروا أو يدري عنهم أحد، لخوفهم من ردة فعل المحيطين بهم، لذلك قررت أن أكون صوت هؤلاء الذين لا يملكون القدرة على مشاركة هذا الجزء من حياتهم، فشاركت قصتي مع المجتمع“.
وأكدت أنه يصعب في المجتمع العربي تسجيل تاريخ نفسي طبي للعائلة، بسبب ضعف الإقبال على العيادات النفسية وسريتها في الوقت نفسه، وعلقت: ”كان هدفي أن يصبح هذا الوضع طبيعي في المجتمع.“.
وأوضحت: ”طبيبي النفسي كان يسألني إذا ما كان هنالك أحد في عائلتي مصاب بمرض نفسي، لم يكن باستطاعتي الإجابة، وهو سؤال مهم في رحلتي العلاجية، لمعرفة إذا ما كان اضطرابي النفسي وراثياً، وأنا لم أكن أعرف التاريخ النفسي لعائلتي، ولغاية الآن، فهو يعتبر في مجتمعي عيباً لا يجب أن يعرف عنه أحد“.
بدأت ”بثينة“ رحلتها مع المرض بأعراض غير واضحة: ”ليس بإمكاني تحديد الوقت الذي بدأت فيه الأعراض بالظهور علي، لكن كانت تنتابني نوبات اكتئاب منذ أن كنت في المرحلة الثانوية، لم تكن حادة، وأكاد لا ألاحظها، إلا أنني كنت متيقنة من وجود مشكلة، وتحديد سببها صعب بالنسبة لي“.
وبينت أنه لا يشترط أن يكون هناك سبباً ما ليصاب الشخص بالاكتئاب، فالاكتئاب اضطراب، وقد يكون الاكتئاب وراثي.
بثينة المتزوجة من الطبيب المبتعث د. رجائي المطرود، نشأت في أسرة متعاونة معها جداً، ومتفهمة لحالتها النفسية، وإن كان صعبا عليهم التعامل معها في بداية الأمر، لكونهم لم يكونوا مدركين لحقيقة الاضطراب الذي تعانيه، وحتى هي لم تستطع ذلك.
ويعد مرض ثنائي القطب حسب المصادر الطبية اضطرابا نفسيا، ويسمى في السابق باسم الاكتئاب الهوسي، وهو عبارة عن حالة صحية عقلية تتسبب في تقلبات مزاجية مفرطة تتضمن الارتفاعات «الهوس أو الهوس الخفيف» والانخفاضات العاطفية «الاكتئاب».
وتحكي بثينة عن معاناتها مع الاكتئاب: ”كان الاكتئاب يؤثر على صحتي، فالأعراض تأتي بدون سبب، راجعت المستشفى في معظم الأحيان، وقمت بعمل الفحوصات، ولم يصل الممارسين الصحيين لأي نتيجة. كانت الأعراض تظهر على شكل نوبات هلع، رجحت أن يكون سببها ضغط الدراسة، ولكن حين صاحبها ضيق في التنفس، شككنا بأن يكون سببها مشكلة في رئتي، وأكد لي الأطبة بعدم معرفتهم للسبب.“
وحين تخرجت بثينة من المرحلة الثانوية تحسنت، وأدركت حينها ان أحد أسباب نوبات الهلع يعود إلى أن بيئة المدرسة لم تناسب صحتها، والعكس تماماً فقد تحسنت حينما انتقلت للدراسة في المرحلة الجامعية، في الفترة التي درستها بالسعودية.
وتابعت: ”نوبات الاكتئاب كانت طويلة في بعض الأحيان، ولكن لأنني مصابة باضطراب ثنائي القطب، فنوبات الاكتئاب تليها عادة نوبات ابتهاج، قد تصل نوبة الاكتئاب إلى شهر، وبعدها أعود لطبيعتي أحياناً وأحياناً أشعر بدرجات عالية من الابتهاج“.
وعلى غرار ذلك من النوبات تقول: ”النوع المصابة به من اضطراب ثنائي القطب هو النوع الثاني، ونوبة الابتهاج التي كانت تنتابني تكاد لا تلاحظ، وتفسر طبياً بنوبة“ هوس ”، أشعر فيها بطاقة كبيرة وشعور بالاندفاع للحياة بإيجابية عالية، وأن لدي أفكار كثيرة بإمكاني تنفيذها، والتي يرافقها قلة التركيز، فتجدني أبدأ مشاريع دون إتمامها، وذلك لأن الأفكار تنهال مندفعة دون توقف، ولم أكن أدرك أنني مضطربة“.
تعد بثينة ذات مستوى ذكاء عالي ومستوى ممتاز دراسياً، وتعلّق على ذلك القول: ”أغلب اهتمامتي تصب في المشاريع العلمية، دخلت مجال البرمجة منذ المرحلة الابتدائية، وتعلمت بناء الروبوت في المرحلة المتوسطة، ولم تكن بالمشاريع الكبيرة، تغذي اهتمامي ورغبتي بالبحث فيها، ولكني كنت أبدأ فيها وأتركها“.
ساعدها اهتمامها بمجال الصحة النفسية في المرحلة المدرسية، بتكون الشكوك حول أعراض اضطرابها النفسي، والتي لم يكن له التأثير الكبير على حياتها وقتها، لتتخذ خطوة مراجعة العيادة النفسية.
وتكمل سرد قصتها بقولها: ”عندما ابتعثت للدراسة في أمريكا زادت عندي الأعراض، مؤثرة على حياتي ودراستي، حينها أيقنت بضرورة أن أراجع مختص، وأطلب المساعدة، واتخاذ هذا القرار كان نابعاً من اطلاعي المسبق لمثل هذه الأمور، ولأن أسرتي ترحب بذلك، الأمر الذي شجعني على خوض التجربة، فقد تتحسن حياتي.“
أصبحت ”بثينة“ طالبة ذكاء اصطناعي، في جامعة بيتسبرغ بنسيلفينيا بأميركا، وهي الآن في سنتها الدراسية الأولى، وتتلقى علاجها بمصحة نفسية مقرها أمريكا.
وتدير الشابة شروفنا قناة على يوتيوب تحظى بنحو 14 الف مشترك تلقي من خلالها تعليقاتها على مواضيع متنوعة.
وبسبب السمعة السيئة للعلاج الدوائي لم تقبله في البداية، وتوضح: ”ذلك لتخوفي من أعراض الأدوية النفسية، بسبب سمعتها السيئة في مجتمعاتنا، ولكن طبيبي كان يعرف اهتمامي بالبحث، فكان يدلني على بعض المواضيع والبحوث المتعلقة بالعلاج الدوائي النفسي وتأثيرها على المرضى، وساعدني ذلك في التثقف أكثر حول أن الأدوية ستساعدني بعيش حياتي بشكل طبيعي، فأصبحت أتناولها“.
وأضافت: ”بدأت العلاج النفسي، لاحظت أن العلاج أخذ جزءا كبير من حياتي، وتحسنت معه، أصبحت أركز أكثر فيما أريد عمله، وخفت النوبات أيضاً، ولكني لم أخبر صديقاتي، كنت متحفظة جداً على الأمر، وأخفي هذا الجزء من حياتي عنهن، بعدها تشجعت لإخبارهن، لأنني اعتبرته إنجاز باستمراري تلقي العلاج وصرت أفضل“.
وعن الموقف الأصعب الذي واجهته، قالت: ”واحدة من صديقاتي كانت ردة فعلها سيئة، حاولت تخويفي وإقناعي بقطع تعاطي الأدوية، بزعمها أنها تسبب الإدمان، وادعاءات غيرها صنعتها النمطية المجتمعية، وقد تتسبب بإعاقات وتشوهات مستقبلا في حال أنجبت أطفال، حاولت تثقيفها ولم تقتنع. السمعة السيئة لأدوية العلاج النفسي، تتبناها وجهات نظر كثيرين في المجتمع العربي، إذا كانت المثقفة والمتعلمة تتبنى هذه الأفكار المغلوطة فكيف بتفكير الذين لا يطلعون على هذه المواضيع“.
وتؤكد ”بثينة“ رسالتها للمجتمع بتقبل الناس بكل مشاكلهم الجسدية والنفسية المختلفة عنها بقولها: ”كوننا لا نرى معاناتهم فهذا لا يعني أن معاناتهم غير موجودة، لا بد أن نتقبلهم بكل ما يمرون به، لأن هذه قصتهم ورحلتهم“.
قد لا تكون الشابة شروفنا الوحيدة التي خاضت تجربة متعبة مع المرض النفسي لكنها بالتأكيد الوحيدة في القطيف ومن القلائل على مستوى المملكة الذين امتلكوا شجاعة الاعتراف العلني سعيا وراء مساعدة أمثالهم ممن يعانون بصمت خانق.