آخر تحديث: 2 / 5 / 2024م - 1:07 ص

حسينية الإمام الحسين (ع).. قصة تكاتف ومحبة

السيد ماجد السادة *

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

حسينية الإمام الحسين تقع في حي الخصاب من مدينة سيهات بمحافظة القطيف، ذاك الحي الذي ترعرعت وأمضيت فيه طفولتي حتى الخامسة عشر، وأتذكر كيف كانت مياه البحر تداعبه في بعض أوقات مدّه، لازالت حيوية شباب هذا الحي ورحلاتهم وبرامجهم الترفيهية، وروح اللحمة والأسرة الواحدة التي عشناها معا في هذه الحارة تشد ذاكرتي، فلا أنسى عندما كان بيتنا مطلا على حافة الحي الشمالية الشرقية كيف أبناء الحارة يطرقون منزلنا بكل أريحية وهم قافلون من لعب الكرة قد أظمأهم لعب المساء وحر الصيف لنسقيهم بعض أكواب من ماء بارد، هكذا عشنا وعاش هذا الحي في غمرة المحبة والتعاون وروح الأسرة الواحدة.

من مشكاة هذه الروح انطلق بعض رجالات الحي بفكرة إنشاء حسينية الإمام الحسين تلك الحسينية الوحيدة التي لم تؤسسها أسرة بل أسستها أسر، في مجتمع عرفت حسينياته بأسماء الأسر كحسينية خليفة وحسينية الناصر وحسينية - جدنا - ملا علي بن سالم وحسينية السيهاتي وغيرها، لكون مؤسسيها هم آباء وأجداد تلك الأسر، خاصة إذا ما علمنا بأن غالب الحسينيات في مجتمع سيهات نشأت كمجالس في البيوت تُحيا فيها مجالس ندب الإمام الحسين ، إلى أن يختار الله تعالى رب تلك الأسرة ويتوفى فيوصي بجعل منزله حسينية أو يبادر أبناؤه بذلك، فتعرف باسم الأسرة، إلا حسينية الإمام الحسين فإن لنشوئها قصة وسيرة أخرى، إذ لم يقتصر تأسيسها على أسرة، بل تأسست بمشاركة الجميع، أي أسستها أسر وليس أسرة.

فقد تحركت همم رجالات من الخصاب وشمروا عن سواعد عزائمهم لإنشاء حسينية في الحي، وكان من بينهم الحاج حسن نعيمي والحاج جعفر الناصر والحاج رمضان آل فريش وغيرهم رحمهم الله تعالى، حتى تمكنوا من جمع التبرعات والمساهمات من أهل الحي ورجالات الخير في المجتمع وحتى المبتعثين وهم في مهجرهم لم يتوانوا عن البذل والعطاء، فكانت روح التعاون وحماسة المشاركة هي السائدة، حتى تمكنت تلك السواعد وبمؤازرة المجتمع من تشييد الحسينية وتسليمها للمجتمع كأمانة في عهدة الحاج معتوق المسكين، ليتم افتتاحها عام 1401 هجرية، وقد تشرفت في باكورة انطلاقتها بالمشاركة في أحد احتفالاتها عام 1402 هجرية كمنشد صغير ضمن فرقة إنشاد يشرف عليها ويديرها الراحل حبيب حميدي رحمه الله تعالى.

تشييد هذا الصرح المبارك حمل دلالات عميقة عن تلك الروح الجمعية التي تحلى بها مجتمع ومحيط الحسينية المباركة، وروح التكاتف والتعاضد، وقد استمرت سيرة الحسينية ومجتمعها على هذه الروح حتى بعد إنشائها، فقد تظافرت جهود الجميع من رجالات وشباب الحي على إدارة مناشطها، ففي الوقت الذي تدار فيه باقي الحسينيات من قبل الأسرة المؤسسة، وجدنا كيف أن حسينية الإمام الحسين امتازت عن غيرها بإدارة تمثل رجالات وشباب الحي، فمنذ تأسيسها تناوبت على إدارتها ومناشطها كفاءات نشطة من رجالات الحي وشبابه، بل ونسائه فقد كانت ولازالت تدار بشكل تشاوري لا سلطة فيها لشخص أو أسرة على قراراتها، لأن حسينية الإمام الحسين لم تؤسسها أسرة أو فرد، وإنما قامت ونشأت على سواعد الجميع، وعلى روح التآخي والتعاضد والتعاون روح الأسرة الواحدة، وهي الروح التي عرف بها مجتمع وحي الحسينية - أعني حي الخصاب - وقد لا أجانب الدقة إذا ما قلت إنها الحسينية الأولى في المدينة التي شكلت لها إدارة وتديرها بشكل تشاوري، وهي الأولى في مجتمعها التي لم تسمى باسم أسرة وإنما باسم إمام.

هذه الميزات هي ما جعل الحسينية تمثل روح ونبض مجتمعها الصغير وبشهادة الجميع، فما إن يهل شهر المحرم إلا وتجد نساءه قبل رجاله وصغاره قبل كباره يتسارعون ويتسابقون في خدمة الإمام الحسين ، بروح ملؤها المحبة والتعاون والتكاتف كما خلية النحل أو أشد، هكذا سطرت حسينية الإمام الحسين قصتها وسيرتها، سائلين الله تعالى أن يديم عليهم هذه النعم، نعم خدمة الإمام الحسين وأهل البيت ، ونعم التعاون والتكاتف والمحبة على البر والتقوى، ونعم الإدارة التشاورية وتناوب الإدارات.