آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

عادات اختفت وأخرى عن الغير قُلدت.. ما موقفنا منها؟

سلمان العنكي

لكل مجتمع قديماً كان أو حديثاً، علت ثقافته متجددة، أو دنت متقادمة، عاداته وتقاليده تناقلتها الأجيال اللاحقة عن السابقة. تباين في بقاء بعضها وإضافة وتقليد لأُخر من مجتمعات الانفتاح بنسب متفاوتة. حالنا كما هم يعنينا منها ثلاث، الأولى، وجوب العودة إليها، الثانية، الأفضل تركها، الثالثة، ظروف الحياة مستجدات الحضارة فرضتها راضين كنا بها أو مُكرهين.

أولا: كانت لنا عادات تَنِمّ عن أخلاق الآباء دل عليها حسن تربية الأبناء في زمن شحت القراءة فيه، وقلت الكتابة وندر العلماء ولا قنوات تعريفية، منها:

1- احترام الكبير والمربي ومَن به إصابة - أعني الجنسين - قرُب منا أو بعُد، وإن لم نعرفه نجله متى رأيناه لعبور طريق مكنّاه في صف انتظار قدمناه، نقبّل بين حاجبيه، شرّف مجلساً وقرّناه بين ليلة ونهارها ضيعناه، ليس له عند سفهاء قوم اعتبار، يُسخر منه، يُتطاول عليه بفحش كلام، لا يُقدّر كما يستحق، كم مُسن جلس تحت قدمي مَن في عمر حفيده؟ والده إلى جانبه لا يأمره يقوم احتراماً، ولو حاول لن يقبل، رأيتُ هذه المواقف المخجلة بالعين. الجدير بنا أن نربي فتيتنا على الآداب لِيحترِموا ويُحترَموا.

2- سابقاً إذا توفي قريب أو جار أو ذو مكانة يُلغى الزواج مشاركة في الحزن مراعاة للمشاعر الآن الفرح بأعلاه والنياحة على فقيد الأهل والجار الملاصق والمقابل، منا مَن يقول زماننا يختلف لكلفة الإعادة وصعوبة التجهيز مجددا، هذا صحيح، وأنا ممن يعارض التأجيل، ولا يُستبعد التكرار - لا سمح الله -، للتوافق بين الحالتين بالإمكان إتمامه بهدوء مع ترك غير المهم والمعطِل، أمور مقدور عليها إنْ ملكنا الشجاعة والوفاء والإحساس. أيُقبل ويُعقل امرأة تدعو الحضور ”في فاتحة عمها“ لزواج ابنها رافعة صوتها عالياً دون حساب للمُعزَين؟! هي في مأتم وإن لم يعنيها لا صالة أفراح دُعيت إليها.

3- سلفُنا في الأفراح والأتراح يجمعون شمل ما تفرق من الأحباب يقوم الفاعل للخير برحلة مكوكية إصلاحية بين هذا وذاك حتى ينهي مساعيه الحميدة بنجاح، فيزداد الفرح ابتهاجاً، ويخف حزن الفاقدين الآن ما أكثرهم عند المناسبة تراهم صفوفاً أجساما متراصة، المعزي أو المهنئ تكل يده متى ينهي السلام على آخرهم خصوصاً مَن يشكو ألم عظام وضغطاً وسكراً، لكنهم خُشب مسندة قلوبهم شتى، العم لا يعرف ابن أخيه ولا الخال ابن شقيقته أصبحنا وأمسينا يفرقنا ما كان بالأمس يجمعنا لمبررات واهية نستحي من ذكرها لتفاهتها. الأعمار بيده تعالى ”توفي ابن أخته لأمه وأبيه“ بفعل فاعل، بدلاً من وقوفه جانبها مادياً ومعنوياً معزياً مسلياً أرسل زوجته لتنقل لها ما نصه: إن أخاك يتمنى سماع فقدكِ الثاني كما فقدتِ مَن أنتِ في عزاه.! ما هذه القساوة المتناهية القبح لثكلى بابنها ألا يكفيها ما فيها؟ - سبب الخلاف أنها لم تتنازل له عن نصيبها من الميراث لضعف حالتها المادية وحاجتها وهو في سعة رزق ورغد عيش - إلى أين وصلت بنا الدونية وما نحن إليه ذاهبون؟ أحقاد جاهلية نتنة، قلوب سوداء أنفس كريهة الرائحة. نتناسى الخلافات ننبذ العداوات على الأقل وقت المُصاب.

ثانياً: عادات يجب أو الأولى التخلص منها:

1- بحكم الأمان والثقة فيما سبق أبواب بيوتنا مفتحة على مصراعيها، النساء يدخلنها دون استئذان - أم..... أينك؟ -، الرجال صبحناكم بالخير أجاويد، والصبيان ”يا خالة“ وفيها كل ما نملك، وإن كان متواضعا، لكنه عند المحتاج مغنم، مَن يغلقه يُعاب عليه، ولا تعدٍ من أحد، إلا ما ندر. في وقتنا صُنعت مِن حديد نحرص على إغلاقها، أمن، وعقاب، كاميرات، مراقبة، وقد لا ننجو من شياطين الإنس وأفعالهم المشينة وحيلهم الملونة الماكرة.

2- سابقاً الضيف وصاحب الحاجة يطرق الباب على حين غرة، دون موعد، طريقة متعارف عليها ومقبولة في وقتها. أما وقد أمكن الإشعار المسبق بالمجيء بواسطة أدوات الاتصال المتعددة لم تعد تلك مريحة، بل مستنكرة مزعجة فيها حرج؛ لأن الأوقات مقننة، تأتي وعنده التزامات تُفوّت عليه مصالحاً وفرصاً، ويضطر إلى إلغاء موعداً، أو يغير برنامجاً رسمه، كذلك المريض ما كانت في السابق الزيارة للدخول والخروج بتوقيت، ولكن بعد أن حُددت فعلينا التقيد بها.

3- رغم مرارة الفقر وخمص البطن وشح المكسب، لا يأتي لمأدبة أو عزومة، لم يدع لها لعزة في النفس، ومع ما نحن فيه من نِعم - لله الحمد والشكر عليها - البعض متى علِم بمائدة دخل، وتربع على اسمن أطباقها، دون دعوة أو معرفة صاحبها ولماذا أقيمت؟ فرح أو عزاء أو غير ذلك فلا يعنيه. يا هذا تفعل معيباً عليك وتوهيناً لك، أحيانا تسبب إرباكاً لصاحب المكان وشرعاً حرام لا يجوز. يجب الترك والالتزام بتلبية مَن يدعوك.

ثالثا: ظروف الحياة والحضارة حكمت لصالح الحداثة والتقليد. منها:

1- العروس: تأتيها المُزينة، أو كما تُسمى بالماشطة والداية، إلى بيتها يحففن بها بنات حارتها بالأناشيد الإسلامية والأهازيج الشعبية الموروثة، ليلاً تُزف لعريسها بتهليل وتكبير وصلوات متتالية ودعاء بالسعادة والبنين. مع تطور الزمن وما يتماشى والحاضر تخرج الفتاة وأقاربها صباحاً إلى الصالون، ثم استيديو التصوير أو مقر الاحتفال إلى وجه الصباح، ومنه إلى الزوج بسيارة ولا مجال للبقاء على ما اعتدناه. هذه تحتاج إعادة نظر فيها من التصرفات غير السائغة، ولكن لا يسع المجال لذكرها.

2- المتوفى: إن مات في البيت أو خارجه يُؤتى به ليُشيع منه إلى المغتسل ثم إلى قبره. الآن يُحْمَل لمثواه الأخير مِن مكان تجهيزه مباشرة للإجراءات القانونية التي نحن ملزمون بها، ومنها يُنقل للمستشفى للتأكد من وفاته، وبحكم اتساع الرقعة السكانية حيث يلعب بعُد موقع الدفن دورا رئيسًا في التغيير، فاتبعنا ما ليس لنا منه بد.

3- دعوة الزواج: يسند والد المعرس إلى مختص المهمة، فيجوب الأخير البلد مشرقاً مغرباً يطرق أبواب المعنيين، وإذا لم يجبه أحد يعود ثانية وثالثة حتى يلقاهم فيبلغهم بوقتها. أما الآن من المستحيل تحقيقها، فالأقارب والأصدقاء ابتعدوا أميالاً، وتفرقت بيوتهم في مناطق مترامية الأطراف، وكثر عددهم، وتشعبت سبلهم حتى مع الجهد لا يمكن معرفة عناوينهم، بالإضافة لوجود الوسائل الحديثة الموثوقة لإيصالها دون عناء، وقد أراحتنا الشبكة العنكبوتية فرسالة واحدة تصل المئات، يلزمنا جميعاً تقبلها، ومَن يعترض نقول ”كما تَدين تُدان“ …

إخواني أخواتي أبنائي بُنياتي صفات محمودة إذا ملكناها زينتنا، الاهتمام بالكبار، ومشاركة الأرحام والجيران. مَن أخطأ وجاء معتذراً قبلناه، الابتعاد عن عيوب تسيء إلى سمعتنا، ولا نتسبب بأذى لآخرين. الأخذ بوسائل تسهيل المهمات وإنجازها واتباع القوانين لا نعيب ما يراه غيرنا صالحاً، لكل قوم لغتهم، ما لم تخالف التشريعات الدينية، وتنافي مبادئ المروءة.