آخر تحديث: 4 / 5 / 2024م - 1:56 ص

الحصون

المهندس أمير الصالح *

دلالة كلمة الحصون تختلف باختلاف الأجيال والتوظيف. كانت في العهد القديم، الحصون عبارة عن أسوار عالية تحيط بالمدن، وتشمل نقاط مراقبة تسمى بالقلاع لحمايتها من الغزاة والمهاجمين والمعتدين. ولمن وفق وزار مدن جنوب فرنسا Bellegarda fort وبعض مدن إيطاليا وشمال شرق إسبانيا وبعض مناطق الشرق الأوسط «المملكة العربية السعودية ومصر والعراق … إلخ» فإنه سيرى آثار قائمة لبعض تلك الحصون والقلاع. والحصن الأشهر في تاريخ البشرية هو سور الصين العظيم. وفي العهد الحديث اُستخدمت ذات المفردة للدلالة على برنامج تلفزيوني ترفيهي شهير Takeshi’s Castle يتضمن مراحل وفقرات عديدة مشبعة بالمغامرات والتسلية والفكاهة والتشويق والجوائز التحفيزية. وفي منظور البعض تكون الدلالة لكلمة حصن «مفرد حصون» تعني الرقية الشرعية. وقد يكون طرق مسامعك مصطلح الحصن الحين أو دعاء التحصين.

التكييف حصن أو تلون

في كتاب القوانين ال 48 للقوة The 48 laws of power, يورد المؤلف Robert Greene في قانونه المرقم 18 ما نصه التالي:

لا تبني حصوناً حول نفسك لحماية نفسك. عندما تتبنى فلسفة إنشاء حصون عالية الجدران للدفاع عن نفسك، فذلك الأمر سيحد من خياراتك، ويجعلك محاصراً لنفسك بنفسك، فيسهل على الآخرين حصارك والتعرض لك أو اختراقك والإجهاز عليك. لكن لكي تنجح في إدارة أمورك عليك التكييف وفهم ما يدور حولك لاستثماره لصالحك. وهذا النص المترجم ورد كالتالي في نسخته الأصلية:

Law 18: Do Not Build Fortresses to Protect Yourself.

Being too defensive can limit your options and make you vulnerable. Instead, be adaptable and open to change.".

وهذا القانون لروبرت هو قانون شخصي، وقد يُعجب به البعض، وقد يختلف آخرون معه.

كون مرجعيتنا الفكرية كمسلمين هي الإسلام فحتما نعرض ما نتعلمه من علوم وأفكار وحِكم وقراءات على روح ومقاصد الشريعة الإسلامية، ونتقي الغث من السمين لنولج الحكمة في قلوبنا وعقولنا وسلوكنا وتعاملاتنا، ونستثمر كل إنتاج فكري في أرجاء المعمورة لصنع الأفضل في حياتنا.

قانون القوة المذكور أعلاه، فسره آخرون بمقاصد مختلفة، ومنها التلون والاصطباغ بالصبغة العامة لبلوغ أهداف شخصية معينة في حياة الفرد. حتى إن بعض الأشخاص باع آخرته من أجل دنيا غيره!! ظنا منه أنه أضحى مع الأقوياء. وإن اتفق القارئ مع مضمون القانون 18 المذكور بالأعلى مبدئيا أو لا، فحتما يريد أن يستلهم أي إنسان روح تطبيقات استنتاجات روبرت في عصره، وليس في عصور سابقة ليستفيد منها في يومياته.

التقنيّة الإلكترونية بين الرفض والقبول

لعل أقوى أمثلة لمظاهر القوة في عصرنا الحاضر هي قوة التقنية الإلكترونية السيبرانية الحديثة وتأثيرها في صناعة القناعات والمفاهيم والسلوك ونشر المعلومات والأخبار والتسويق. ولكون التقنية الحديثة نوع من أنواع القوة في عصرنا الحاضر، فإن الجدال السابق في الإعراض عنها جملة وتفصيل كحصن من حصون الدفاع عن القيم قد انهار كليا. ففي زماننا الحاضر لا مناص من الإقرار بأن التقنية الحديثة في عالم الاتصال والتواصل وعبر تطبيقات رسمية، جعلت الأغلب الأعم يتفاعل معها لإنجاز معاملاته. إذا التعميم في إطلاق حكم التحريم باستخدام الحواسيب كحصن قد انهار. ولكن التحريم كأداة تحصين بعد تفصيل ما يجب الابتعاد عنه وما ينفع الاطلاع عليه هو الأجدى والأكثر واقعية وعقلانية. نتجاوز عن السرد الطويل والأمثلة المتعددة لنقفز للمحصلة: مواكبة التقنيات المتطورة في كل مجال نافع ومفيد أمر عصري وضروري وحيوي وذكاء اجتماعي؛ ومن المهم جدا أن نكون مؤثرين لا مستهلكين فقط لأي فرع من فروع العلم والتقنية والأخبار والإعلام والتكنولوجيا. النفور من جديد العلوم ومشتقاته ليس هو الحل الأنجع للتحصين، وإنما هضمه وتحليل إيجابياته وسلبياته ثم تحديد ما يلائم وما لا يلائم هو الأنجع.

التقوى أقوى الحصون

تشييد جدران عزل عن شرور بعض التطبيقات الاجتماعية والإعلامية والإخبارية المظللة تكون بالتقوى والارتباط بالله أكثر منها بقوانين وفتاوى وحجب قنوات. فالتقنية تتطور كل يوم، وتستحدث طرق مبتكرة لاختراق الحظر على قنوات محجوبة. كما أن الجهات الرسمية الأوفياء ورجال الدين المخلصين يقرؤون المشهد في بعض المجالات الاجتماعية بعد حدوثها، وينبهون المجتمع عن بعض الأمور لتفادي المُنكر. ولكن الشخص السليم بذاته، ومن خلال مراقبته لذاته يربي نفسه من الداخل، ويتكيف لقطف الثمار الصالحة من بساتين العالم الافتراضي والواقعي حيثما ذهب ويبتعد عن كيد الأشرار.

الوحدة حصن منيع

واسترسالا في الحديث عن الحصون والتحصين، وددت أن أنبه أبناء الوطن والمجتمع لنقطة مهمة وهي قاعدة استعمارية قديمة ”فرق تسد“. استفاد من تلك القاعدة المشتغلين في نهب موارد طبيعية، وإشعال حروب بين أبناء البيت الواحد. ولعل من الحكمة تدارس الآية الكريمة ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا [المائدة: آية 82]، ولعل من الحكمة والذكاء والحنكة والرشد والبصيرة، تجاوز الخلافات في أي تفاصيل تتعلق بالتفسير والفقه والسرد التاريخي بين اتباع كل المدارس والمذاهب الإسلامية وتجنب التراشقات بين كل التيارات الوطنية، والذهاب إلى مرحلة التعاون والتعاضد والمؤازرة والتآخي والصفح الجميل لإفشال أهداف، أي باغ أو متربص باتباع النبي محمد ﷺ. وبالعقل والفطرة السليمة لا يفرح أي طرف داخل الأسرة الواحدة بما قد يقع من تهديدات على إخوانه من طرف آخر معاد يريد بهم جميعا الشر. كما ندعوا إلى احترام رموز جميع أطراف أهل القبلة، وتفادي أي تهريج أو استغفال للعقول باسم الدين. سؤال: هل ترى أخي القارئ أن هناك شي يستحق من الإنسان أن يهدم حصناً من حصون الوقاية في نفسك قد يسبب لك حيرة بين خيار الجنة واتباع أهواء أهل النار؟!