آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

فن الخاطرة.. ريم مال الله أنموذجا

جاسم المشرف

الخاطرة: فن أدبي نثري، يعبر عن مكنون النفس والخاطر وما يدور فيهما من هموم ورغبات وتطلعات وصراعات وأفكار، بلغة مجازية بليغة. وهو من الفنون الحديثة، التي ازدهرت ونمت مع وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، ويلتقي هذا الفن مع ما يسمى ب ”قصيدة النثر“ - مع ذلك الفن الرفيع - في بعض صيغها وتراكيبها، كما تلتقي مع فن القصة والرسالة في خطابها.

وهي من أصدق الفنون الأدبية وأكثرها عفوية وتأثيرا؛ لكونها نصا مسترسلا لا يتقيد بوزن أو قافية. وكلما حضرت في الخاطرة البلاغة بتشبيهاتها وكناياتها وصورها ومجازاتها، والأسلوب بانزياحه وتنوعه دون تكلف وإلجاء كانت الخاطرة أعمق وأبلغ أثرا وأمتع وأعذب لدى المتلقي.

وإذا كانت المقالة تستجيب لصاحبها متى شاء وكيفما شاء إذا ما كانت فكرتها حاضره فإن الخاطرة تعتمد على الحالة النفسية والمشاعر المحتدمة وسرور القلب وألمه، ووحي الخاطر وتداعياته، وهذا ما لا يتأتى للمبدع في كل حين.

والأديبة ريم مهدي مال الله واحدة من تلك المبدعات اللاتي تألقن في هذا الفن الرفيع الذي كاد أن يفقد مكانته وهويته بتداخله مع النص القصصي والروائي والحكم والأمثال والنصوص المفتوحة.

وقد أبدعت في هذا الفن الصادق والمسترسل؛ لما تحمل من تجارب حياتية ثرية، ولغة رشيقة أنيقة راقية وإحساس مرهف يجعل من أبسط الأشياء الذي لا نحفل بها حكاية. كما تلحظ في نصوصها تلك الشحنات العاطفية القصيرة المدى والعميقة الأثر في الآن ذاته، تتدفق باسترسال موحي وما تلبث أن تقف، لتترك للمتلقي مساحة للتخيل تمتد بامتداد استغراقه في النص وتماهيه معه.

يطغى في نصوصها ضميران: ضمير المتكلم وضمير المخاطب، هذان الضميران الحاضران في كل نص ولا يكادان الانفكاك عن سطر من سطورها إلا لماما، وما الخاطرة إلا ما يخطر في قلب وفكر المتكلم وما يبثه لدى الآخر المخاطب حاضرا أم غائبا.

تشترك جميع نصوصها بإيحاءات ذاتية تأخذ المتلقي نحو خيالات جريئة تارة وغامضة تارة أخرى، جرأة لا تدفعها نحو العبارة الفاقعة المستهجنة، وغموض لا يغلق النص ويعتمه، وكأنك أمام مشهد يرى ويحس الحياة بتفاصيلها وجزئياتها، يضيء ويعتم يتشكل ويتلون يمشي ويجري بك حيثما شاء الألق.

قد يأخذها الإغراق في الخيال إلى التشظي أحيانا، حتى ليصعب على المتلقي ربط العنوان بالمعنون إلا بعد إعمال فكر.

تتميز ريم بشخصية لماحة تستوعب التجارب الحياتية اليومية؛ لتعيد إنتاجها بعدما تقتنص منها فكرة هنا وإحساساً هناك لتمزج وتزاوج بينها، لتشكل خلقا فنيا موحياً، وقد تتداخل في بعض نصوصها بالشعر الحر لما تحمله من كثافة ومعنى.

مع السياحة في إصدارها الأول: ذاكرة الغيم، والثاني: كتف وظل وفم، وفي حسابها الثري والأنيق بالانستغرام الذي تشفع فيه مع كل نص صورة عمل فني ملائم لا تجد نفسك إلا مع نصوص تأخذك لإحساس عميق قد وجد مخرجه في حروفها، أو لشعور طاغٍ رأى متنفسه بين سطورها.