آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 12:27 ص

وجوه لا تنسى.. عبد الله الفريج ”دختَر“ الجيل الجميل

حسن محمد آل ناصر *

قبل أكثر من 99 سنة كانت المملكة العربية السعودية تنتشر فيها الأمراض المعدية والأوبئة الفتاكة، بجانب أزمة القحط والجفاف وعدم معرفة هلاك بعض الناس، وقبل تقدم الطب والخدمات الصحية التي انتشرت فيها المستشفيات والمراكز والمحاجر والأطباء في عام 1344 هـ حيث أنشأت أولى مديريات الصحة في المملكة، و”الفريج“ أحد رواد تلك الحقبة.

تعريف طفيف

هذا الوجه الإنساني علاقته بالناس علاقة ود وحب، وكما سبق ذكره آنف كانت المنطقة في الماضي تفتقر للخدمات الصحية فلا بد بأن هناك شخصيات يتصدون للأمراض والأوبئة والآفات المستعصية رواد مهرة يقضون على الجهل والمرض مثل «الكوليرا، الجدري، التنفسية، العيون»، أجل شخصيتنا اليوم من أوائل ملائكة الرحمة في بلدنا المحروسة، هو الحاج عبد الله بن منصور بن علي الفريج ولد بالقلعة ”حاضرة القطيف“ «1360 هـ  - 1941م» تربى في كنف عائلة كريمة ربياه على طاعة الله وحب الناس وخدمتهم، كان سريع البديهة ذكي سهل المعاشرة متواضع لا يتضايق من ضغط العمل ”التمريض“ ذي همة وفهم قل نظيره.

وكانت زوجته ”أم ناصر“ رحمها الله، تقاسمه بعض من تلك الخبرة حيث اكتسبت منه مهنة خرم أذن البنات حديثي الولادة بطريقة صحية حتى اشتهرت على نطاق المنطقة.

بداية العمل بالتمريض

كان من يزاول تلك المهنة يلقب ب ”دختَر“ ربما حرفت من دكتور بالإنجليزي، والصواب أن الطبيب أو الحكيم أو الدكتور ”الدختَور“ ليس لها علاقة بمن يمارس التمريض، إلا أنه في الزمان القديم وبالأخص الكبار بالسن أطلقوا على كل معالج كائن من كان له علاقة بمهنة التطعيم أو التداوي.

كانت بالقطيف المحروسة عيادات خاصة جل من يعمل بها دَكاتِرَةٌ من الجاليات العربية سوريين ومصريين وتونسيين، والقليل من أبناء الوطن، وهذه العيادات الطبية كانت عامة ونادرا منها متخصصة، في عام 1376 هـ  عمل الحاج ”الفريج“ رحمه الله في إحدى العيادات الخاصة التي يعالج بها دَكاتِرَةٌ مصريين اكتسب منهم الخبرة وتتلمذ على أيديهم ومارس مهنة التمريض وأتقنها حق إتقان عندها لم يتجاوز الستة عشر سنه من عمره.

مراحل عمله

التحق بالعيادات الطبية الخاصة ثم عمل ممرضا بالمستوصف الشمالي في منطقة البحر مع الدكتورة نوال ”أول دكتورة في منطقة القطيف مصرية الجنسية“، وحين افتتح مشفى القطيف بالقرب من براحة الخيل شرق القلعة ”الوارش“ انتقل للعمل هناك، وبعد هذا المكان تدرج لمشفى آخر إيجار وتحديدا مبنى ”مستوصف الساحل“ بشريعة القطيف، قسم «الضمادات والتطعيمات»، وعمل أيضا بمستشفى القطيف ”الشويكة“ قرابة الأربعين عاما شغل مهنة التمريض وكلف مديرا بقسم الطوارئ مسؤولا لقسم الحوادث.

خدماته الإنسانية والاجتماعية

كان إنسانا مخلصا متمكنا محبا لعمله ولمن حوله، يساعد الكبير والصغير، شهدوا له جميع زملائه، وها هم من كانوا طلاب بالمعاهد الصحية الذين تدربوا على يده واستفادوا من خبرته يذكرونه بالثناء والمديح، ودائما ما يرشح للانتداب والتكليف خارج المنطقة الشرقية كجازان والطائف وغيرها من مناطق المملكة للتطعيم «أيام الكوليرا»، وأيضا يكلف بموسم الحج.

مازال ذاك الجيل الذي عاصره يذكره بالخير والخلق الرفيع وحسن التعامل ورحابة الصدر، يذكرونه حاملا حقيبته ”الستانلس ستيل“ داخلها جميع ما يلزم من الضمادات والحقن، ذاهبا لبيوتهم لعلاج ذويهم أو علاجهم، كان يداعب المرضى ويمازحهم ليخفف عنهم الآلام، اشتهر بيده الخفيفة بحقن الإبر والتطعيم وسحب الدم وعمل غرز الجروح العميقة والطفيفة منها، كان بيته مفتوحا لخدمة الناس وعلاجهم في أي وقت دون مقابل.

وقفة وفاء

هنا نقف للوفاء لإنسان بمعنى الإنسانية، فلا ينسى من خدم المجتمع وطرح على أفئدة الناس الطمأنينة وحطم الحواجز التي بينه وبين من يحتاجه، كانت الأيام الماضية مسافات تحملها ليلغي ألم طاعن بالسن، ارتقى سلم الصعاب لينقذ طفل أصاب أهله الفقر استصعب عليهم المجيء، قاصدا البهجة والفرحة لسمو ما يلزم النبيلة لإزالة وجع المعوزين، كان للناس طبيب معالج رغم قسوة الزمن ومرارته، ظل مائدة لذيذة يؤثر نفسه لخدمتهم.

رحمك الله يا ”أبا ناصر“ رحمة الأبرار وأسكنك الله فسيح جناته وحشرك مع محمد وآله في الفردوس الأعلى أنه سميع مجيب، لروحه ولأرواح المؤمنين والمؤمنات الفاتحة.