آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 7:26 م

الإسهال العقلي

فؤاد الجشي

يبدأ ”الإسهال العقلي“ جزئيته المشوّهة التي تمنعنا من الاستمرار في العلاقة الطبيعية مع الحياة، مرتبطة بأحداث وقعت في الماضي أو المستقبل، انفعالات نفسية عالية وعميقة تجاه ردّ فعل مبالغ فيه كثير من الأحيان، أسبابها قلقة لكنّها ليست مرضًا في بدايتها، تنتهي برحيلها، لكن أثرها يبقى، والآخر خيالات عقيمة مزمنة مسجونة، لا ينبني عليها في الحياة، تمنعنا من السعي لتحقيق أهدافنا المهنية والشخصية.

الخيال المفرط في الوصف والتشتّت أمام الافتراضات المتشابكة، على أساس متكرّر من التخيّلات المخيفة في بناء الاستنتاجات الشكلية ”الميلودراما“ البعيدة عن الواقع، القادرة على تنميط الحدث أحيانًا والتسلل إلى مختلف طبقات الروح والعقل والنفس، حتى آخر النفس للبعض، تجبرنا على اتّخاذ قرارات غير عقلانية بدافع الخوف وعدم اليقين، القناعة هي السبيل في محبّة القدر، عندما تتقبّل قدرك سوف تقع في محبّته، عندها لا شيء سيقف أمام سلامك الداخلي. التجربة الإنسانية، تجربة كبيرة من التوتر المؤقت أو المزمن، جُلّها إهدار للطاقة والوقت الثمين، نسبة كبيرة مما يحدث في العقل هو مجرّد إسهال عقلي، يعمل بشكل قهري طوال الوقت، يؤثر على الاتصال الاجتماعي والشخصي بشكل كبير.

جلد الذات الافتراضي هو التدمير الفعلي للذات، واللوم المبرح التلقائي، الاتهامات الباطلة الذاتية التي تؤثر على المزاج اليومي والعام، الإنسان يميل أحيانًا إلى شخصنة أفكاره وهذا بيت الدّاء، وما جُمع في خيالك وذاكرتك إلّا خداع فاضح بين نفسك، مؤثر لكنّه مسيطر، فالخروج هو أن تقولب كلّ شيء، الكرسي والطاولة وما يحتويه خداع لا يتوقف، قدراتك السبب الرئيس إلى الإبداع، أما الأشخاص الذين يفكرون في ”لا شيء“ يمكن أن يكون لديهم فيضان من الأفكار لا يمكن سردها سردًا منطقيًّا، يقول ابن عربي: ”الخيال الجامح هو ممارسة الفكر بدون وجود أساس له في الطبيعة، إنه حجر زاوية المجنون“.

الوعي الكافي في مراحل الإنسان للحياة، يساعد على الفهم والاستيعاب، القراءات المتنوعة في ميدان الأدب والفلسفة والاجتماع، تجعلك تتعرّف على ذاتك في تشكيل هويتك الخاصة، الإنسان ينتقل بين التاريخ في مختلف العصور بهدف استيعاب الخبرات للحضارات والمجتمع، تقدّم فكرة واضحة عن النفس البشرية وآلامها في مواجهة الظروف المنطقية للحياة، والرغبة في الإبداع الفكري، والتفوق في المجال المهني والاجتماعي في المراحل التكوينية من الحياة، قضاء الوقت مع الأسرة والأصدقاء يساعدك في تجاوز الأوقات العصيبة التي تساعد على تحرير هرمون الأكسيتوسين المسؤول عن تعزيز العاطفة، المسكن الطبيعي للألم والاجتهاد، سوف تسمح لوعيك مجازًا أو حقيقة في الخروج من هذه المآزق الحلزونية التي يجب أن تنخفض تدريجيًّا حتى تصبح عادة فعلية في الممارسات والمماحكات الحياتية، الإنسان ينتصر أمام صراعه الداخلي بين عقله وعاطفته، حربًا بين نفسك ونفسك سلبًا أو إيجابًا، الهدوء القليل في وضع الوسادة، إنّها ليست حربًا بل هو صراع داخلي طبيعي جدًّا ضمن السّيطرة ويمكن تحقيقه. المواجهة، الإرادة، الصبر، القناعة، التفاؤل، الأصدقاء الحقيقيون، الاستشارات النفسية عند الاستدعاء، جميعها عوامل تساعد على التخطّي بسلام.

أخيرًا، ما بين التجربة والوعي ضللت بعض الطريق في خيالات بائدة، أثرها عقيم في اللاوعي، مشاهد مختلفة، مضى الزمن في ترابه شاهد على رحيلها، بقيت جزءًا من تجارب الحياة المليئة بالمواقف والعبر التي يمرّ عليها الإنسان.