آخر تحديث: 2 / 5 / 2024م - 7:20 م

صدمة وفاة ريان والطب النفسي

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

توفيّ ريان. أخرج من البئر بعدما سقط في غياهب الجب وسقطت قلوبنا معه، لكن الموت كان أسرع إليه من المنقذين. مأساة مزدوجة هزّت العالم الذي تماهى مع الطفل، حيث فاضت المنصات الرقمية حزنا على الطفل من المحيط إلى الخليج، وانطلقت حملات كبيرة تعبيرا عن تضامنها مع عائلته المكلومة، واختلطت الدموع بالدعاء لريان الذي أطلقت عليه ألقاب كثيرة مثل «طير الجنة» و«شهيد البئر». الألم والصدمة المشاعرية لم تقتصر على عائلة ريان أو حتى بلده المغرب بل توسعت، لترسم النهاية الحزينة بوفاته التراجيدية التي كتبت على مدى خمسة أيام بلا أكل أو شرب. شريحة من المتابعين في ومواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر وغيرها، كانوا يتساءلون لماذا هذا الانشغال العاطفي بريان؟ لماذا نالت قصّة إنقاذه اهتمام الشعوب والإعلام؟ الجواب بكل بساطة، إنها الإنسانية الواحدة التي لا تقبل التفريط بالروح الواحدة، إنها الذات العليا التي نشترك فيها جميعا، والتي ترتبط بالمصدر الأوحد، وهو الرب الواحد. إنّه سؤال يدعو حقًّا لمراجعة قصّة ريان والتسونامي الإنساني الذي واكبها، مع ما يحمله من بلاغة لا يمكن أن يكون مبالغًا بها. قصّة ريان جديرة بأن تخضع لدراسة روحية ونفسية عميقة.

أحد الأطباء النفسيين من أقاربي يقول لي: «الموضوع مأساوي جدًّا، ومن باب تخصصي سيعاني عدد لا بأس به من مشاكل نفسية بسبب هذا الحدث المؤلم، والأشخاص المعرضين للخطر النفسي بالدرجة الأولى الأم والأب والأهل والجيران والاطفال في تلك المنطقة، وبعض رجال الانقاذ والمتطوعين، وحتى البعيدين من الأمهات والآباء، ومن فقد طفلًا بالطريقة نفسها سيتذكر ويعيش التجربة مرة آخرى، وسيسترجع الألم - ويكمل الدكتور - بل وحتى لو نجا الطفل قد تعم الفرحة البعض، ولكن سيجدون صعوبة في نسيان الشعور والعاطفة من الموقف، فما بالك بعد هذه النتيجة التي يراها البعض أنها سلبية بموت الطفل!!. صدمة قوية سيتذكرها الناس وسيعاني منها البعض وسيشعرون بالذنب والتقصير». في هذه الأثناء قفزت إلى ذهني قصة أطفال الكهف في تايلاند عام 2018 الذين علقوا في كهف غمرته مياه الفيضانات وتم إخراج 12 طفلاً ومدربهم بعد 17 يوما من الحصار والمعاناة، في إطار متابعتي لهذه القصة وجدت بأن المدرب والأطفال كانوا يطبقون في الكهف تدريبات التأمل والتنفس التي تعلموها في مدارسهم، ليعيشوا السكون والهدوء كان المطلوب أن يخرجوا من الخوف بهذه التأملات. ولهذا نجد الكثير من الدول الغربية أخذت هذه التجارب من الدول الآسيوية، وباتت تستخدمها في مدارسها حيث يتعلمون رياضة اليوجا وتأملات التنفس والسكون، إضافة إلى تدابير أخرى مثل اشتراط طبيب نفسي لكل أسرة يتابعها بشكل دوري. أما نحن العرب فما زالت نظرتنا قاصرة، فنجد الكثيرين ينظرون إلى الطبيب النفسي بأنه خاص بالمجانين، ولذلك يترددون كثيرًا قبل مراجعته، والنتيجة أنهم يفسرون كل الأعراض بالمس من الجن، أو الإصابة بالسحر أو العين؛ والبديل هو مراجعة عيادات الدجالين أو المشعوذين. ومن اعتقاداتنا الخاطئة أيضًا ربط المرض النفسي بضعف الإيمان بالله، وفي الأصل نجد أن الأمراض النفسية مثل غيرها من الأمراض قد تصيب المؤمن مهما بلغ صلاحه كما تصيب غيره. أمام قصة الطفل ريان أطالب وزارة الصحة بعيادة للطب النفسي في كل حي، بل وحتى في كل مدرسة وفي كل إدارات الشرطة، أليست الشرطة الموجودة في موقع الحادث بحاجة لأن تكون لديها إرشادات قانونية للمساعدة في عملية اتخاذ القرار. أخيرًا أقول نتمنى الإسراع في عمل هذه التدابير فمعظم الدول المتقدمة لديها تشريعات خاصة في الطب النفسي للتعامل مع هذه القضايا.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
أحمد الخميس
[ القطيف ]: 13 / 2 / 2022م - 2:04 م
أحسنت أستاذ علي، مقال أكثر من رائع، فيه الكثير من الإفاضات الإيجابية المؤثرة والمتميزة، لك كل الشكر والتقدير.