آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 4:26 م

صفعة مشهور على الهواء: دروس وعبر

الدكتور أحمد فتح الله *

شاهد وسمع كثير من الناس في جميع أنحاء العالم صفعة الممثل ويل سميث على وجه كريس روك في حفل توزيع جوائز الأوسكار ليلة الأحد 28 مارس 2022. صدم ويل سميث زملائه الممثلين وملايين المشاهدين عندما صفع المضيف كريس روك على وجهه على مسرح حفل توزيع جوائز الأوسكار، بعد أن ألقى روك نكتة عن تساقط شعر زوجة سميث جادا بينكيت سميث «Jada Smith»، والذي سبق أن قالت عنه إنه بسبب مرض، أي حالة طبية وليس تبعًا لموضة أو ما شابه.

وانطلاقًا من كون الحكمة ضالة العقلاء مهما كان مصدرها، ومن باب الاعتبار من تجارب الغير، من المفيد أن نستخلص بعض الدروس والعبر من هذا الحدث أو غيره الذي يكشف عن جوانب من طبيعتنا البشرية ويسلط بعضًا من الضوء على بعض زوايا علاقاتنا الإنسانية وخفاياها.

أولًا: الحب ليس كبش فداء للعنف[1] 

بعد فترة وجيزة من الحادثة، عاد سميث إلى الخشبة ليستلم جائزة أفضل ممثل وحاول تبرير تصرفاته عازيًا الأمر إلى أنّ تصرّفه كان مدفوعًا بالحب، وأنه كان يحاول حماية عائلته، قائلًا: ”الحب يدفعك للإقدام على تصرفات مجنونة“. بهذه الكلمات برر سميث تصرفه غير المتوقع.

لكن علماء النفس والتربية لهم رأي آخر في هذا الأمر. الدكتور جويْل وونغ، الأستاذ المحاضر ورئيس قسم الإرشاد وعلم النفس التربوي في جامعة إنديانا بلومينغتون، قال إنه لا ينبغي أن يشمل هذا الأمر اللجوء إلى العنف، وأضاف موضحًا أنه عندما يقدم رجل على سلوكيات ذكورية غير صحية، كاللجوء إلى العنف عند تعرّض أحد أعضاء عائلته للاعتداء، فهو يتعاطى مع الأمر على أنه شخصي ويمسّ بشرفه.

وتابع الدكتور وونغ أن ”العائلة، وخصوصًا الزوجة، ينظر إليها على أنها امتداد للنفس، لذلك إهانة الزوجة أو الأطفال تعتبر تهديدًا وإهانة للذات“، وبالنسبة لشخص متجذّرة لديه هذه العقلية، فإن الطريقة الوحيدة لحماية شرفه تستوجب القيام بردة فعل تثبت للناس أنّ حرمه مصان.

أمَّا ويزدوم باول، مديرة معهد الفوارق الصحية، وأستاذة الطب النفسي المساعد لدى مركز UConn Health في مدينة فارمنغتون، بولاية كونيتيكت الأمريكية، إنّ الشعور بالخجل قد يكون لعب دورًا في ذلك. ربما شعر سميث بالخجل لأنه ضحك من الطرفة في بادئ الأمر، قبل أن يلاحظ استياء زوجته فشعر بالخجل نيابة عنها.

وأوضحت أنه ليس مقبولًا اجتماعيًا أن يكون الرجال ضعفاء، لذا يعملون على استعادة القوة بأسلوب عنيف.

ووفق دراسة نُشرت في المجلة الدولية للبحوث البيئية والصحة العامة، تبرير سميث يعد مألوفًا جدًا عند المعنفات والمعنفين، زوجاتًا وأولادًا، حيث أن الرجال بعد كل عملية عنف عادة ما يبررون تصرّفهم بأنه بدافع الحب الحقيقي «true love».

وأبان الدكتور وونغ إلى ”أنّ الأشخاص الذين يلجأون إلى سلوك سيئ، يكون لديهم غالبًا إحساس غامض بأنهم يتصرّفون بطريقة لا تتوافق مع ما هم عليه موضحًا أنه عليهم إيجاد طريقة لتبرير فعلتهم وجعل ما بدر منهم يبدو مُحقًا“. وشدد وونغ، على الرغم أنه ”من المهم أن يوصّف الناس ما جرى بالاسم، عليهم ألا يدعوا ويل سميث يُفلت من خلال قوله إنّ تصرفه كان دافعه الحب“. في حين قالت الدكتورة باول: ”أنّ الحب لا ينبغي أن يتسبب بالأذى“... وهذا ما نُعلّمه أطفالنا منذ الصغر.

”عقدة الرجولة“

يرى الدكتور وونغ إنّ عقلية ”الرجولة“ متجذرة بعمق في مجتمعنا، لذا سيستغرق التخلّص منها وقتًا، وعندما يعبّر الرجل بالعنف، قد يعتقد أن الرجال يؤيّدون سلوكه أكثر مما يظهر واقعًا. هذا رغم ما وجدته دراسة حديثة «عام 2020»، بأنّ معظم الناس فعلًا لا يرون ما يوجب على الرجال أن يكون عنيفين أو يتصرفون بعدوانية.

وممكن تلخيص كلام الدكتور وونغ بالتوصيات التالية:

1» أنّ إحدى أهم الخطوات للبدء بإحداث تحوّل ثقافي هو إدانة المتفرّج اللامبالي لأعمال العنف، أو ما يسمّى بسلوك المتفرج اللامبالي الإيجابي.

2» من المهم جدًا أن يقول الرجال إنهم لا يؤيّدون هذه التصرفات، لأنّ هذه طريقة عملية لزعزعة السلوك الذكوري غير الصحي.

3» من الضروري أيضًا التمييز بين الرجال والسلوكيات الذكورية الخاطئة، حسب الأعراف الصحية.

وقد أكدت رونالد ليفانت، أستاذ علم النفس الفخري في جامعة أكرون بولاية أوهايو، على إن ”ثقافة الشرف“ لدى الذكور والمعايير الذكورية غالبًا ما تلقّن للأولاد في أعمار مبكرة، فلذا معالجة المشكلة يجب أن تبدأ من هذه الأعمار، مؤكدًة أن على المعلّمين، والمدرّبين، والأهل، ومقدّمي الرعاية للأطفال التنبّه للرسالة التي يمرّرونها للأولاد حول مفهوم الذكورة. كما لفتت الدكتورة باول إلى أنّ الفتيان والفتيات يمكن أن يكونوا عاطفيين بالقدر نفسه، لكن أن يُطلب من الفتيان ”التغلّب على الأمر“ أو ”الشجاعة“، فإن ذلك يُقلّل من قدرتهم أن يكونوا ضعفاء، وأن يظهروا مشاعرهم. وخَلُصَت إلى أنّه على البالغين تعليم الشبّان كيف يكونوا ضعفاء، وكيف يستخدمون الكلمات في نزاعاتهم بدلاً من قبضتاهم.

ثانيًّا: القدرة على الاعتذار ومحتواه ومعناه[2] 

يوم الاثنين 29 مارس 2022، توجه سميث إلى الإنستقرام Instagram لإصدار اعتذار عام عن أفعاله، وكتب: ”كان سلوكي في حفل توزيع جوائز الأوسكار الليلة الماضية غير مقبول ولا يغتفر“ …. ”أود أن أعتذر لك علنًا يا كريس. لقد تجاوزت الحد وكنت مخطئًا.“ هناك الكثير في بيان سميث، وقد يرقى إلى أن يكون أحد أفضل الاعتذارات العامة التي قرأتها على الإطلاق. إنه درس رائع في الذكاء العاطفي الواقعي، والقدرة على فهم وإدارة السلوك العاطفي. «الاعتذار موجود على صفحة الممثل Smith's Instagram».

اعتذار الممثل المشهور سميث يرتفع إلى أن يكون ”دراسة حالة“ «case study» باستنتاجات لا تقدر بثمن. في فقرته الافتتاحية، يحدد سميث أين سارت الأمور بالضبط، قائلًا: ”النكات على حسابي الشخصي هي جزء من عملي…لكن المزاح حول حالة [زوجتي]“ جادا ”المرضية كانت أكثر من أن أتحملها وكان رد فعلي عاطفيًا.“

ما عاناه سميث لم يكن مجرد هفوة سيئة في الحكم. كان مثالاً على ما يشير إليه علماء النفس على أنه اختطاف عاطفي «emotional hijack»، أو اختطاف اللوزة «amygdala hijack». عندما يتعلق الأمر بالوظائف التنفيذية ذات المستوى الأعلى، مثل القدرة على التفكير من خلال اتخاذ قرار أو ممارسة ضبط النفس، فإننا عادةً ما نشرك الفص الأمامي «الجزء الأكبر من الدماغ». ولكن عندما نشعر بنوع من التهديد العاطفي، فإن اللوزة «amygdala»، وهي كتلة رمادية على شكل لوزة «wallnut» تقريبًا في أعماق الدماغ، تشارك في معالجة المشاعر، تختطف السلوك «التصرف»، والذي يكون غالبًا عنف «fight» أو هروب «flight» أو تبلد «freezing». إذا فسر سميث نكتة روك على أنها هجوم على زوجته، فقد يؤدي ذلك إلى رد فعل سميث عاطفيًّا فإنه سيقوم بتصرف سيندم عليه لاحقًا.

مما لا شك فيه، يمكننا أن نتفهم سلوك سميث حيث ارتكبنا جميعًا أخطاء في لحظات عاطفية، أو قلنا أو فعلنا أشياء نتمنى لو نتمكن من استعادتها. بالطبع، سيكون من الرائع أن نتمكن من تفعيل هذا الاتزان في وقت مبكر، ولكن غالبًا لا ندرك ما فعلناه إلا بعد فوات الأوان، كما حدث مع سميث. ولكن بدلاً من تجاهل الموقف أو التقليل مما حدث [أو البحث عن مبررات]، بدأ سميث بداية رائعة بالاعتراف بما حدث والاعتذار المباشر.

يتابع سميث: ”أشعر بالحرج ولم تكن أفعالي مؤشرًا على الرجل الذي أريد أن أكونه“. هذه الجملة وحدها هي تحفة سيادية في الذكاء العاطفي، وذلك لأن ”الإحراج“ عاطفة يصعب التعامل معها. عندما نشعر بالحرج، فإن آخر شيء نريد القيام به هو أن نعلن عن أنفسنا ونعترف بارتكاب خطأ؛ نفضل الاختباء وراء صخرة، [وأحيانًا تحتها]. من خلال الاعتراف بحرجه، يُظهر سميث الشجاعة والاستعداد لمواجهة أفعاله، ويذهب أبعد من ذلك.

في كثير من الأحيان عندما نرى اعتذارات كهذه، يدعي الشخص الذي يعتذر أن أفعاله لا تمثل الشخص الذي هو يدعيه أو يتصوره عن «الأنا». لكن بهذا القول، مثل هؤلاء الناس يقللون مما فعلوه ويفشلون في إدراك أن هذه هي حقيقة الشخصية التي يهربون منها. هؤلاء، مثلنا جميعًا، بحاجة إلى عمل شاق لمعالجة نقطة الضعف هذه، وهي نقطة واضحة. ولكن عندما يعلن سميث: إن ”أفعاله لا تدل على الرجل الذي يريد أن يكون عليه“، فإنه لا يدعي أنه بخلاف كذلك، بل إنه يعني: ”هذا أنا الآن، هذا ما أنا عليه، لكن هذا ليس ما أريد أن أكون. أريد أن أكون أفضل. أنا بحاجة إلى أن أكون أفضل.“

بعدها يؤكد سميث هذه النقطة بجملة قوية من ست كلمات: ”أنا حالة في تقدم“ «I am a work in progress» لذا، في المرة القادمة التي نمر فيها بلحظة عاطفية ونحتاج إلى الاعتذار، علينا تذكر ما عكسته تحفة سميث كتجربة إنسانية بامتياز. إنها 11 جملة فقط، في 160 كلمة. نعم، ربما تم تصميم الاعتذار بمساعدة متخصصي الدعاية والعلاقات العامة، لكن هذا لا يعيبه أو يقلل من فائدته، سواء عناه سميث وطبقه بالفعل أو لا.

بهذه الكلمات القليلة، يتضح أن الاعتذارات لا يجب أن تكون طويلة أو فارغة. بهذه الكلمات القليلة، فعل بيان سميث كل ما يمكن أن يفعله اعتذار جيد: فقد أظهر الندم والضعف [البشري] والأصالة والتواضع - وهي صفات لها دور مؤثر وطويل في دفن الأحقاد مع أولئك الذين نسيء إليهم. فعلينا تعويضهم [نفسيًّا] ومساعدتهم [لتقبل الاعتذار والخروج من الشكوك والآلام]… علينا أن نكون أفضل في أحداث قادمة مماثلة، لأننا، [قبل كلُّ شيء و]بعد كل شيء، حالات في تقدم وتحسن مستمر.

ثالثًا: الحدث كمدعاة للثقافة الصحية

صفعة ويل سميث لكريس روك بسبب المزحة عن صلع زوجته زاد اهتمام الناس بالتعرف على مرض الثعلبة الذي سبب الصلع. هذا الاهتمام يساعد على فهم المرض وأعراضه وأسبابه وطرق علاجه، وتفهم الأشخاص الذين يصابون به وتقدير معاناتهم، مما يساعد على رفع الوعي الصحي والعلاقات الاجتماعية وتحسين ورفع معنويات المصابين بهذا المرض وغيره من الأمراض.

تاروت - القطيف