آخر تحديث: 2 / 5 / 2024م - 7:20 م

الحضارة والتاريخ تنهار في بيوتات الديرة

عباس سالم

تمتاز معظم البيوت في ”الديرة“ بجزيرة تاروت بنمط معماري وتراثي معين ربما لا تجده في بيوت المدن الأخرى، هذه البيوت نُسجت وحيكت بين أقواسها ومشربياتها الجميلة التي لا تقدر بثمن قصص وحكايات، تجسد مراحل مهمة من حياة الناس الذين استوطنوها، ولهذا يجب أن تتمتع بالحماية من وزارة السياحة والتراث الوطني وبلديات محافظة القطيف.

يبدوا أن البكاء والحسرة على البيوت التراثية في المنطقة القديمة ”الديرة“ بجزيرة تاروت صار أمرًا واقعًا عند الكثير من الناس، الذين عاشوا مرابع الطفولة بين أزقتها واستظلوا بظلال صاباتها، وعند الكثير من محبي التراث في المنطقة الذين يأتون لزيارتها، لكن ذلك لن يعيد أمجاد الحياة لتلك البيوت التاريخية كما كانت، بسبب ما يرونه من تسارع في حالات التعري والإهمال والتصدعات العميقة في معظم بيوتها.

عشرات البيوت التراثية القديمة في ”الديرة“ التي بُنيت قبل مئات السنين قد تساقطت أطلالها وعانقت التراب من دون أي عملية إنقاذ لها! والبعض منها قد انهارت جدرانها وتركت لتكون مكانًا آمنًا لتكاثر القطط والفئران بنتظار مصيرها وهو الانهيار الكامل لتصبح ذكرى من الماضي، وهذا يعد مخالفة صريحة لقانون التراث العمراني في المملكة الذي يمنع ذلك، لكن واقع بعض البيوت في المنطقة القديمة ”الديرة“ تركت وأهملت من دون إنقاذ لتنهار.

إهمال الكثير من البيوت التاريخية في ”الديرة“ ربما يعود سببها بأنها لم تعد مملوكة لشخص واحد بل آلت بحكم الميراث للكثير من الأشخاص الذين يضطرون في النهاية لهجرها وإغلاق أبوابها، لتلاقي مصيرها المحتوم وهو الخراب ثم الانهيار بالرغم من أن معظمها ذات طابع تراثي مميز، وهناك على ما يبدو إشكالية قانونية عند وزارة السياحة والتراث الوطني تتعلق بعدم المساس بأي مبنى داخل ”الديرة“ يحمل رمزية وطابع البلد وتراثها ومعمارها ولا يسمح بإعادة بناء هذه البيوت إلا بشروط ومواصفات معينة هي تفرضها.

للناس في الديرة حكايات نراها كل يوم حينما نمر بين صاباتها، بالرغم مما نشاهده من خطر في معظم بيوتها لكنها تنبض بالحياة، تعرف ذلك حينما تتجول بين أزقتها لتجد وكأن بيوتها قد نفضت غبارها وعادة أحلامها التي تحطمت بين مبانيها القديمة لينسج زوارها حكاية الحياة والتاريخ العريق في ”الديرة“ بجزيرة تاروت، التي كانت مأهولة بالسكان ونابضة بالحياة، ومبانيها التي تروي حكاية حضارات قديمة مرت بها واستوطنت المكان.

حكاية أبنية تاريخية في ”الديرة“ كان لها صوت في الثقافة الدينية التي يتميز بها الناس في البلدة، فكانت فيها المساجد القديمة مثل: مسجد الشيخ علي بن حسن آل موسى الذي أسس في وسطها ومسجد الشيخ رضي الصفار ومسجد الرفعة، وبنية في ”الديرة“ أعرق حسينيات عرفتها جزيرة تاروت وهما: ”الحسينية العودة المعروفة“ بحسينية بن جمعة ”التي للأسف أغلقت أبوابها وأصبحت ذكرى من الماضي، وكذلك“ حسينية الشايب" التي لا زالت محافظة على تراثها الديني جزى الله القائمين عليها خير الجزاء.

بكل أسف خطر انهيار بعض البيوت في ”الديرة“ لازال قائمًا ويمكن حدوثه في أي لحظة بسبب التصدعات العميقة في جدرانها التي سببتها الانهيارات الأرضية الأخيرة وتركت دون حل للمشكلة، حيث لا تزال المخاوف من سقوطها قائمة وتهدد حياة ساكنيها والمارة والناس المهتمين بالتراث والتاريخ الذين يأتون كل يوم لقراءة تاريخها القديم، ولا نعرف من يتحمل مسؤولية حياة الناس داخل ”الديرة“ في حال انهارت تلك البيوت التي يتوقع انهيارها في أي لحظة وربما تتسبب بإزهاق أرواح بريئة.

وفي الختام إن الكتل الخرسانية التي وضعت أمام البيوت المنهارة لن تحل المشكلة وتوقف الخطر، وعلى المسؤولين في وزارة السياحة والتراث الوطني وبلديات المحافظة القيام سريعًا بدراسة حالة البيوت المتصدعة وخطرها على الناس في ”الديرة“ واتخاذ القرار السريع والصحيح الذي يضمن سلامة الناس فيها من خطر انهيارها الذي ربما يحدث في أي لحظة ويتسبب بكارثة في المنطقة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
Ahmed
[ tarout ]: 10 / 5 / 2022م - 9:51 ص
للأسف بأن الصراخ والذي كثر في الآونة الأخيرة لا يجدي نفعا ها هنا لانه ببساطة متكلف وفي غير موضعه تماما كصراخ "Karen"

ثم إن المنطق البسيط يقول بما ان هذه البيوت آيلة للسقوط وهي كما يقول الكاتب "خطر يهدد سلامة الناس"
بالإضافة لكونها في الواقع خرائب لا تصلح للسكن

نتمنى بكل بساطة إزالتها بالكامل وتطوير المنطقة بما يتناسب وهذا الزمن الحديث, تماما ومطابقا لما تم فعله بوسط العوامية

تراث البيوت القديمة يملأ القطيف كافة وليس حكراً على هذه البقعة، بل فقط قصر تاروت هو المعلم والركيزة هنا ..

كل فرد طبيعي يشتاق لمكان طفولته التي ترعرع فيها ولكن هذا ليس بعذر كاف لنصبح "كارين" حول حي الديرة الذي لا يصلح للسكن ولا شيء آخر سوى الإزالةز