آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 8:57 ص

لماذا نكره الانتظام؟

قدمتُ لهذه الخاطرة بسؤال لأن خمس دقائق من قيادة السيَّارة تشرح الحال! هذا يزاحمكَ من الأمام وذاك من الخلف واثنين عن اليمين وعن الشمال، وآخر يهبط من السماءِ فوق سقف السيَّارة لو استطاع! خمس دقائق تكفي أن ترفع ضغط الدم إلى مناطق خطرة، وضربتُ مثلًا بمشهد الشارع عنوانًا واضحًا يتكرر لما نراه من عدم رغبةٍ في الانتظام وأخذ دورنا، وإلَّا فالحالات أعمّ وأشمل!

لا يجب أن ننزعج من الانتظام، ولا يحسن أن نعتادَ الفوضى في حياتنا. الانتظام يجعلنا في راحةٍ وسلاسةٍ وسلامة، به نتقدم بين الأمم اجتماعيًّا وحضاريًّا. سبقنا - للأسف - غيرنا إلى حبّ الانتظام فترانا نضرب مثلًا بذلك المجتمع وتلك الحضارة، عندما نسافر ونشاهد بأمّ أعيننا تفانيهم في الانتظام.

هذه هي العشرة الأولى من شهر ذي الحجة، فهل يقبل الله من واحدٍ من ملايين الحجَّاج أن يطوفَ حول الكعبة جاعلًا الحجرَ الأسود عن يمينه بدلًا من عن يساره؟ أو يسعى مبتدءاً بجبلِ المروة بدلًا من جبل الصفا؟ شعائر منظمة ومتسلسلة يتضح فيها دور الدين في الحثّ على النِّظام والانتظام! هل يستطيع في كلتا الشعيرتين أن يطوف ستَّة أو خمسة أشواط، بدلًا عن سبعة؟ الله لا يقبل منه، والنَّاس لن يتركوه يخل بنظام الشعيرة الدينيَّة!

إذن، فأين المشكلة تسأل؟! لو آمنا بأن الانتظام هو الجناح الآخر الذي يطير بصاحبه إلى الفضائل، ثم يجزيه الله عليه الجزاءَ الأعظم، تمامًا مثل جناحِ العبادة، لكان النّظام صديقًا لنا في كلِّ المحطات. أما إذا بقينا نعتقد أن الثواب والعبادة في المسجد - فقط - فتلك معضلةٌ لا خلاص منها. لا الصلاة وحدها تكفي ولا الأخلاق منفصلةً تستطيع إسعادَ الفرد والمجتمع والسير به نحو الأمام. لا تقدم إلا بأخلاقٍ فاضلة إنسانيَّة وعبادة، في الطريق، في المسجد، وأينما نكون!

سأل الإمامُ عليّ بن أبي طالب سؤالًا بديعًا فقال: ”فهب أنه لا ثواب يرجى ولا عقاب يتقى، أفتزهدونَ في مكارم الأخلاق؟“. هل نزهد في راحة الأعصاب؟ هل نزهد في وفرة الصحة وتنظيم الوقت وحسن المعاملة في الطريق؟! كلنا يقول: لا، لكن يبقى التطبيق بعيدًا من المنال! هل نزهد في أن نكون أمَّة باقيةً بكرائم أخلاقها، برقيّ تعاملها، بحبِّها للانتظام؟ وبحضارتها التامَّة التي أكملها النبي محمد «صلى اللهُ عليه وآله»: إنما بعثتُ لأتمم حسن الأخلاق.

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيتْ

فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

مستشار أعلى هندسة بترول